للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة:]

قوله تعالى: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها [الإسراء: ١٧/ ١٦].

قرأ يعقوب: (آمرنا مترفيها) بالمدّ. وقرأ الباقون: أَمَرْنا مُتْرَفِيها (١).

وقد تواتر إسناد هاتين القراءتين، ولكن ثمة وجه ثالث قرئت به هذه الآية، واشتهر عند العلماء، ولكنه لم يتواتر إسنادا، وقد قرأ به ابن عباس، وأبو عثمان النهدي، وزيد بن علي، وأبو العالية، وعلي، والحسن، والباقر، ومجاهد بن جعفر، ومحمد بن علي (٢). كما نسبت هذه القراءة إلى عاصم، وأبي عمرو البصري (٣).

وقد أشرت إلى هذه القراءة؛ وهي شاذة إسنادا لاشتهارها بين العلماء، ولأنهم يستأنسون بها في مواضع التفسير، فيكون المعنى أن الله سبحانه وتعالى يسلط شرار القرى على دهمائها فيعصون الله، فإذا فعلوا ذلك أهلكهم الله، وذلك منه سبحانه تحذير للأمة أن تجتهد في تولية الأخيار، وصرف الأشرار.

وأما قراءة يعقوب فقد قرأ بها أيضا جمع عظيم من السّلف منهم الحسن، وقتادة، وأبو حياة الشامي، وخارجة (٤) عن نافع، وحماد بن سلمة عن ابن كثير، وعلي، وابن عباس (٥)، وقد قام القرطبي بتوجيه معناها ودلالتها، فقال: (آمرنا) بالمدّ والتخفيف، أي أكثرنا جبابرتها وأمراءها. قاله الكسائي، وقال أبو عبيدة: آمرته بالمدّ، وأمرته، لغتان بمعنى: كثرته، ومنه الحديث: «خير المال مهرة مأمورة، أو سكة مأبورة» أي كثيرة النّتاج والنّسل (٦).


(١) تقريب النّشر في القراءات العشر ١٣٣. وعبارة ابن الجزري في طيبة النّشر:
... ... .. مدّ أمر ... ظهر ... ...
(٢) انظر معجم القراءات القرآنية ٣/ ٣١٣.
(٣) معجم القراءات القرآنية أيضا ٣/ ٣٣، ولكن يجب التسليم بأن الرواية عن عاصم والكسائي هنا غير متواترة، فهي في النقل القرآني شاذة عنهما، فليست الآفة من نقل عاصم والكسائي، إنما الآفة من النقل إليهما.
(٤) لسان العرب لابن منظور ٣/ ٢٨، عمود أول.
(٥) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٠/ ٢٣٣.
(٦) المصدر نفسه ١٠/ ٢٣٣.

<<  <   >  >>