للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعنى: فناداها عيسى من تحتها، وهو أجود الوجهين. وذلك أنه جرى ذكره في قوله:

فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ ... [مريم: ١٩/ ٢٢].

فلما أتى الفعل بعد ذكره دلّ على أنه فعل المذكور، وأنه مستتر في فعله، فالكسر أعم. وذلك أن من كسر يحتمل المعنى أن يكون الملك ويحتمل أن يكون عيسى عليه السلام (١).

[وثمرة الخلاف:]

أن قراءة أبي عمرو، وابن كثير، وابن عامر، وشعبة قد أفادت الإشارة إلى المنادي فكانت (من) هي الاسم الموصول المعرف بالمنادي، بينما أفادت قراءة الباقين أن مكان المنادي كان تحت السيدة مريم، أما الضمير الدّال عليه، فهو مستتر في قوله سبحانه: فناداها، ولا تعارض بين الفائدتين.

ويبقى الخلاف في تعيين المنادي أهو جبريل أم السيد المسيح، وليس هذا الخلاف ناشئا عن اختلاف القراءة.

قال الشوكاني في فتح القدير: فَناداها مِنْ تَحْتِها أي جبريل لما سمع قولها، وكان أسفل منها تحت الأكمة، وقيل تحت النخلة، وقيل: المنادي هو عيسى (٢).

وروي عن ابن عباس أن المنادي هنا هو جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها، وقد أورد أستاذنا الدكتور الزحيلي هذا الرأي (٣)، ولا شك أنه يتضمن الثناء على السيدة الطاهرة بوصفها بزيادة اليقين؛ إذ أشارت إليه كما أمرت، ولم تكن تعلم أنه سينطق في المهد؛ إذا كان الذي ناداها من تحتها عند المخاض إنما هو جبريل.


(١) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة، ط مؤسسة الرسالة ٤٤١. وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري، ط البابي الحلبي ٢٨٤. وعبارة الشاطبي:
ومن تحتها اكسر واخفض الدهر عن شذا ... ... ... ...
وعبارة ابن الجزري في الدّرة المضية في إضافة رويس إليهم:
... ومن تحتها اكسر اخ فضن يعل ... ...
(٢) فتح القدير للشوكاني، ط دار المعرفة ٣/ ٣٢٩.
(٣) انظر التفسير المنير، للدكتور وهبة الزحيلي ٦/ ٧٦.

<<  <   >  >>