وهكذا فإنّه يمكن القول إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أول شيخ إقراء، تلقى الوجوه جميعا عن جبريل، عن ربّ العزّة جلّ جلاله وتباركت آلاؤه، وهو صلّى الله عليه وسلّم أقرأها كما تلقّاها.
وغني عن القول أن أي خلاف كان ينشأ في مسألة من مسائل القراءة كان يحسم مباشرة على وفق تصويب النّبي صلّى الله عليه وسلّم لأحد الوجهين، أو إقراره لهما جميعا.
المبحث الثاني القرّاء من الصحابة الكرام
لم يكن للصحب الكرام اشتغال بشيء أولى من اشتغالهم بالقرآن الكريم، ولذلك كثر فيهم القرّاء والحفّاظ، ولكن لم يكن أولئك القرّاء بالضرورة على وفق المناهج التي اختارها القرّاء فيما بعد من التّخصص، والجمع بين الوجوه، واستقرائها، وإنما كان محض عبادة يؤدونها على حسب ما سمعوه من النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان على علماء التابعين أن يتعقّبوا هؤلاء الأئمة القرّاء ليتخيروا قراءاتهم وفق اختياراتهم ومناهجهم.
ونقوم هنا بالتعريف ببعض أئمة القرّاء من الصحابة الكرام بإيجاز، وهم:
١ - أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه (٥١ ق. هـ- ١٣ هـ):
عبد الله بن عثمان بن عامر بن غالب بن فهر، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغار، وخليفة المسلمين الأول. استمرت خلافته سنتين وأربعة أشهر تقريبا، وهو من حفّاظ القرآن كما نصّ عليه الإمام أبو الحسن الأشعري، وهو أول من آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الرّجال. وهو أقرأ الأصحاب بدلالة إمامته للمسلمين؛ والرسول الكريم- صلّى الله عليه وسلّم- يقول:«يوم القوم أقرؤهم للقرآن»(١).
٢ - عمر بن الخطاب رضي الله عنه (٤٠ ق. هـ- ٢٣ هـ):
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن غالب بن فهر، القرشيّ، العدويّ، أبو حفص، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين. استمرت خلافته عشر سنين ونصف تقريبا، صاحب الفتوح، ويضرب به المثل في العدل.