للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث الغيبيّات

[المسألة الأولى:]

قوله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ [البقرة: ٢/ ٣٦].

قرأ حمزة: (فأزالهما الشيطان عنها) (١)، وقرأ الباقون: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها (٢).

فقراءة حمزة من الإزالة، وهي نقيض الثبات، ويقوي قراءته قوله سبحانه: فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ، وهو في اقتضاء الظاهر أكثر من الوسوسة.

أما قراءة الجمهور: فَأَزَلَّهُمَا من الزّلل، وهو نتيجة وسوسته وإغرائه، والوسوسة حديث النفس، يقال: وسوست إليه نفسه وسوسة، ووسواسا بكسر الواو، وكان ذلك عن طريق القسم لهما إنه لمن النّاصحين: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: ٧/ ٢١].

وأما السبيل التي بها وسوس لآدم فلم يصح فيها خبر، وغاية ما دلّت عليه النصوص القرآنية أنه غرّه باليمين الفاجرة وأغراه بالملك، وهو نقل عن ابن عباس قال: أتاه الملعون من جهة الملك.

[وثمرة الخلاف:]

أنه يجوز نسبة الفعل إلى الشيطان على سبيل المجاز، وهو ما دلّت عليه قراءة حمزة، وليس هذا المعنى جديدا مبتدعا في الآية؛ بل له نظائر كثيرة في القرآن، ولكنه مؤيّد

لها ومظاهر، أقربها قوله سبحانه: فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ [البقرة: ٢/ ٣٦]، فنسب الإخراج إليه مع أنه لم يكن منه إلا الوسوسة، وكان الإخراج بأمر الله سبحانه وتعالى على سبيل الحقيقة.


(١) سراج القاري لابن القاصح ١٥٠.
وعبارة الشاطبية:
وفي فأزل اللام خفف لحمزة ... وزد ألفا من قبله فتكملا
(٢) تعيّنت القراءة للباقين بذلك لما لم يأت ذكر مخالف إلا حمزة، ولم يأت ابن الجزري على أي إشارة بخلاف أحد من الثلاثة تتمة العشرة.

<<  <   >  >>