للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا فإن التواتر المتحقّق في القراءتين يلزم المسلم أن يعتقد بخروج الدّابة وأن يعتقد بكلامها المذكور في الآية (١).

وثمة قراءة شاذة منقولة عن بعض السّلف وهي: (دابة من الأرض تكلمهم) (٢) أي تجرحهم، وهي شاذة أريد بها نفي صفة الكلام عن الدّابة، وهو خطأ في العقيدة؛ إذ يلزم الاعتقاد أنها تتكلّم كما دلّت له القراءة المتواترة.

[المسألة الثامنة:]

قوله تعالى: لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ [الصّافات: ٣٧/ ٨].

قرأ حمزة، والكسائي، وحفص: لا يَسَّمَّعُونَ بالتشديد.

وقرأ الباقون بالتّخفيف، وحجّتهم ما روي عن ابن عباس أنه قرأ: (لا يسمعون)، وقال:

(هم يسّمّعون ولكن لا يسمعون) [والدّليل] على صحة قول ابن عباس أنهم (يسّمّعون، ولكن


من جبل أجياد، ابن عباس.
انظر في استقصاء أقوالهم: الدّر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ٤/ ١٠٥. وكما رأيت فإن جملة الأقوال في مخرج الدّابة لا تبعد عن الحجاز، ولم أشأ الخوض في حجة كل قائل إذ ليس ذلك من شرط هذه الدراسة.
(١) ولا يخرج من هذا الإجماع إلا رأي هزيل لبعض غلاة الشيعة، وهو أن الدّابة هي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد روي هذا القول عن عدد من مفسّري الشيعة منهم القمي في تفسيره ٢/ ١٣٠، ومنهم شرف الدين الأسترآباذي الغروي في كتابه تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، ط مؤسسة النشر الإسلامي عام ١٤٠٩ هـ في ص ٤٠١، وقد استقصى فيه تسع روايات عن أئمة الشيعة في إثبات توجيه دلالة الآية إلى الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكرّم الله وجهه، ولكن بعض التأمل في المنهج القرآني في ذكر الصالحين يدفع هذا الوهم الزائغ؛ إذ شأن العالم الفاضل المرشد أن يسمى إنسانا، ويكرم بلقب إمام، أو عالم، أو عارف، ولا يسميه: دابّة إلا من لا علم له، ولا أدب عنده. قال القرطبي: وهذا خروج عن عادة الفصحاء، وعن تعظيم العلماء، وليس ذلك دأب العقلاء.
واعتقاد علماء الشيعة في هذه المسألة موافق لمختار الجمهور من الفقهاء والمفسرين، وقد نقله عنهم صاحب التفسير المبين بقوله: ما بين سبحانه حقيقة هذه الدّابة في كتابه، ولا ثبت ذلك عندنا في سنّة نبيّه الكريم صلّى الله عليه وسلّم، ولا يسوغ الكلام بغير علم، فلم يبق إلا الوقوف عند ظاهر الآية الذي يدلّ على أن الله سبحانه يخرج من الأرض عند النشر مخلوقا يعلن أن ما من أحد جحد بالله إلا مع قيام البينات، والآيات الواضحات على وجوده تعالى، نقول هذا في تفسير هذه الدّابة، ونسكت عما سكت الله عنه. انظر التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية ٤٤١، وانظر القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٣/ ٢٣٥.
(٢) نقل هذا القول الطبري في الجامع ١٣/ ٢٣٨، والزمخشري في الكشّاف ٣/ ١٦٠.

<<  <   >  >>