للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قرئ: ولا تقتلوهم ولا تقاتلوهم، فإن قرئ ولا تقتلوهم فالمسألة نصّ، وإن قرئ ولا تقاتلوهم فهو تنبيه لأنه إذا نهى عن القتال الذي هو سبب القتل كان دليلا بيّنا ظاهرا على النّهي عن القتل.

فاعترض عليه القاضي الرّيحاني منتصرا للشافعي ومالك، وإن لم ير مذهبهما على العادة، فقال: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.

فقال له الصاغاني: هذا لا يليق بمنصب القاضي وعلمه، فإن هذه الآية التي اعترضت بها عليّ عامة في الأماكن، والآية التي احتججت بها خاصة ولا يجوز لأحد أن يقول: إنّ العام ينسخ الخاص، فأبهت (١) القاضي الريحاني، وهذا من بديع الكلام (٢).

[ثمرة الخلاف:]

دلّت القراءة بإثبات ألفات المفاعلة على جواز المقاتلة عند المسجد الحرام؛ عند ما يعرض للمسلمين الاعتداء من عدوهم؛ ولو لم يصب العدو أحدا من المسلمين؛ إذ ليس المطلوب هنا أن ننتظر حتى يقتل المشركون بعض المسلمين في الحرم لنردّ عليهم، فإن دم المسلم عزيز، ومجرد بدء المقاتلة من المشركين يتضمن إذنا بإراقة دمهم في المسجد الحرام.

ومن فائدة القراءة بحذف الألفات تذكير المسلمين برحمة الله فيهم إذ رفع عنهم سبحانه الحرج في ردّ العدوان في المسجد الحرام، بعد أن كانت القراءة تنهى عن ردّ العدوان حتى تزهق أرواح بعض المسلمين.

وفي تعدد القراءات هنا فائدة أخرى، وهي إظهار كرامة المسلم على الله، وحرمة دمه، حتى إن الآية جعلت حرمة دم المسلم أعظم من حرمة المسجد الحرام.

وقد دلّت على هذا المعنى نصوص كثيرة من السّنة وفي الحديث: قام النّبي صلّى الله عليه وسلّم قبل الكعبة فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك غير أن المؤمن أعظم عند الله حرمة منك» (٣).


(١) في التنزيل العزيز: فبهت الذي كفر، ثلاثي، لكن قال في اللسان: بهّت الرجل أبهته بهتا، إذا قابلته بالكذب. ولو أتى بالصيغة القرآنية لكان أبلغ وأحكم.
(٢) تفسير أحكام القرآن للقاضي ابن العربي المالكي ١/ ١٠٧.
(٣) رواه الترمذي في كتاب البر، رقم ٨٥، ورواه كذلك ابن ماجة في كتاب الفتن ٢/ ٦٠.

<<  <   >  >>