للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا فإن استقراء فصول جهاد النّبي صلّى الله عليه وسلّم يكشف لك أنه لم يخرج في سائر غزواته (١) إلا في هذا الإطار الدفاعي كما اصطلح عليه أهل الخبرة، وهذا يقوي ما ذهب إليه النووي في شرح صحيح مسلم من تحديد علة القتال في الإسلام بظهور الحرابة من العدو.

[ثمرة الخلاف:]

أطلنا في هذه المسألة من نقل الأقوال، والاختيارات من السلف والخلف في تحرير علة الجهاد ومناطه، ولا شك أن هذه النقول والاستدلالات قد كشفت لك عن كثير من ثمرات تعدد القراءة.

وأشير في هذا المجال أيضا إلى أن ورود القراءة بالكسر والفتح (يقاتلون) ويقاتلون أفادنا معنى جديدا، وهو أن المقاتل قد يكون مظلوما أيضا، كما هو الحال في (المقاتل)، وهكذا فإنه ليس ثمة صورة واحدة لطبيعة الحرب في الإسلام، إذ الأمور بمقاصدها، وسواء كان الرجل مقاتلا أو مقاتلا، فإن تقرير كونه ظالما أو مظلوما، يحدد

بدوافعه إلى القتال، والظروف التي أحاطت به.

وهذا يقوي ما ذهب إليه أستاذنا الدكتور وهبة الزحيلي أن الجهاد في الإسلام لا يوصف بأنه دفاعي ولا هجومي، بل هو من نوع خاص، ليس هجوميا ظالما للعالم، وليس مجرد دفاع عن حدود الوطن والمصالح (٢).

وكذلك فإن الإذن بالقتال للمقاتلين مقيد بكونهم ظلموا: بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وهذا يقوي أيضا ما أورده الدكتور وهبة الزحيلي من أن علّة المقاتلة إنما هي ظهور الحرابة والظلم من العدو (٣).

[المسألة السادسة:]

قوله تعالى: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [التّوبة: ٩/ ١٢].

قرأ ابن عامر: (إنهم لا إيمان لهم) بكسر الألف، أي لا إسلام ولا دين لهم.


(١) انظر سيرة ابن هشام وبحاشيتها الروض الأنف ٣/ ٢٩.
(٢) انظر آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ١٢٤.
(٣) المصدر نفسه والصفحة نفسها.

<<  <   >  >>