المبحث الأول الرسم في عهد النّبي صلّى الله عليه وسلّم
من المسلّم به أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر بكتابة الوحي فور نزوله؛ حيث كان كتاب الوحي يتلقّونه عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم مباشرة، فيسطرونه فيما يتيسر لديهم من وسائل الكتابة من اللخاف والرقاق وورق البردى وغير ذلك، ولا يوجد في المنطق والواقع والرواية ما يعكّر هذا الفهم، إذ كانت مكة أصلا بلد ثقافة، والقرّاء والكتّاب فيها متوافرون؛ حيث كانت المجامع الثقافية الموسمية في عكاظ والجنة وذي المجاز وغيرها؛ تفرض على شباب مكة تحصيل جانب من القراءة والكتابة، ولذلك فقد جعل النّبي صلّى الله عليه وسلّم فداء الأسير من قريش يوم بدر أن يعلّم عشرة من أطفال المسلمين في المدينة القراءة والكتابة.
وهكذا فإن قلّة عدد الصحابة بمكة مقترن بأن غالبيتهم يحسن القراءة والكتابة، وهو يدفع عنا توهم ضياع شيء من نصوص الوحي؛ حيث كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يتلقّى أولا عن جبريل، ثم يقرئ من حوله من الأصحاب، ويأمر بكتابة ذلك في الصحف.
أما الآيات الأولى من سورة العلق التي تلقاها النّبي صلّى الله عليه وسلّم في غار حراء منفردا، ونظائرها مما تلقّاها في غيبة أصحابه؛ فإن حمله صلّى الله عليه وسلّم لها ثم أمره إلى الصحابة بنسخها في المصاحف ليس مما يعسر فهمه وتباينه عند من يعتقد بأنه تنزيل من ربّ العالمين.
وفي المدينة كان الأصحاب من الكثرة والاجتماع حول النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى حدّ يطمئن فيه المرء أن سائر الوحي تلقته الكتبة في الصحف بحضرة المعصوم صلّى الله عليه وسلّم، وهو ما تواترت على إثباته الروايات والقرائن والأدلة.