للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة العاشرة:]

قوله تعالى: وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [الحديد: ٥٧/ ٢٣].

قرأ أبو عمرو البصري: (ولا تفرحوا بما أتاكم). وقرأ الباقون: وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (١).

فدلّت قراءة أبي عمرو على النّهي عن الفرح بما أتاكم- أي: جاءكم- وهو اسم جامع لكل ما قد يأتيك من المولى سبحانه من صنوف النعم المبهجة، وقد ورد الفرح في القرآن الكريم ممدوحا، وورد مذموما، فمما أخبر المولى به بصيغة المدح قوله سبحانه: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس: ١٠/ ٥٨].

ومما أخبر به المولى بصيغة الذّم قول قوم قارون: إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص: ٢٨/ ٧٦].

ثم صرّحت قراءة الباقين بأن على المؤمن أن لا يفرح فرحا مبهجا مطغيا ينسيه واجب الشكر لله سبحانه وتعالى، مع يقينه بأن هذا الآتي من النعيم إنما هو عطية من الله سبحانه وتعالى.

[وثمرة الخلاف:]

تظهر في أننا نهينا عن الفرح بما يأتينا من المسرّات فرحا يشغلنا عن الخلاق سبحانه، وهو ما دلّت له قراءة أبي عمرو، وأفادت قراءة الباقين أن هذا النّهي عن الفرح يجب أن يدفعنا إلى التّوهّم أن هذه الأرزاق من رازق غيره سبحانه، بل يجب العلم بأنه سبحانه هو الرزاق وحده، ومع ذلك فينبغي أن لا نفرح فرحا مطغيا لا نؤدي معه واجب الشكر.

هذا ما أفاده اختلاف القرّاء في تحقيق المعاني، وأما دلالة الآية بجملتها؛ فأكثر المفسرين على أن النّهي والفرح المنهي عنهما إنما يقتصران على ما كان من أعراض الدنيا الزائلة، وأما ما كان من رحمة الله، وقبوله، ومغفرته، فإنه يستوجب الفرح، وما كان من سخط الله وغضبه فإنه يستلزم الحزن، وفي الحديث: «إذا سرّتك حسنتك، وساءتك سيئتك فأنت مؤمن» (٢).


(١) أخرجه احمد في مسنده ٥/ ٢٥١ عن أبي أمامة من طريق زيد بن سلام عن جده، ورواته ثقات. وأخرجه أيضا الطبراني والحاكم والضياء عن أبي أمامة، انظر كنز العمال ١/ (٦٩٩).
(٢) رواه الإمام أحمد في المسند ٥/ ٢٥١ عن أبي أمامة الباهلي.

<<  <   >  >>