للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقراءتان متظاهرتان في التوكيد أن على المؤمن أن يتقي كيد الشيطان، فقد بلغ من كيده أنه أزل نبيّا وأزاله عن نعمته، وتكرّر الخبر في القرآن لأهميته وعظم دلالته، وإن كان ذلك الأثر كله مقدّر بأمر الله سبحانه، وأمرك بدراستها وفهمها.

فيكون ما دلّت عليه قراءة الجمهور أن سعي الشيطان مقتصر على الوسوسة، وما دلّت عليه قراءة حمزة أن سعيد قد يتعدّاها إلى الكيد المفضي إلى ركوب المحظور.

وليس بين القراءتين تناقض بل إن قراءة حمزة أفادت معنى جديدا، وهي متواترة ينبغي التزامها، وهذا يشبه ما هو مقرّر عند علماء الاصطلاح من قبول وزيادة الثقة.

[المسألة الثانية:]

- قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: ٦/ ١٠٩].

قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وشعبة: (وما يشعركم إنّها إذا جاءت) بكسر الألف. قال اليزيدي: الخبر متناه عند قوله: وَما يُشْعِرُكُمْ أي: ما يدريكم؟ ثم ابتدأ الخبر عنهم: (إنهم لا يؤمنون إذا جاءتهم) وكسروا الألف على الاستئناف.

قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله: (وما يشعركم إنّها إذا جاءت) ما منعها أن تكون كقولك: (وما يدريك أنه لا يفعل؟)، فقال: لا يحسن ذلك في هذا الموضع، إنما قال:

وَما يُشْعِرُكُمْ ثم ابتدأ، فأوجب، فقال: (إنها إذا جاءت لا يؤمنون) لو قال: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) كان عذرا لهم، وحجّتهم قوله [بعدها]: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ .. إلى قوله: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا فأوجب لهم الكفر، وقال: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، أي: إن الآية إن جاءتهم لم يؤمنوا [لما لم يؤمنوا] أول مرّة.

وقرأ الباقون: أَنَّها إِذا جاءَتْ بالفتح. قال الخليل: إن معناها: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. قال: وهذا كقولهم: (ايت السوق أنك تشتري لنا شيئا) أي لعلك.

<<  <   >  >>