للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويكون من دلالة قراءة التشديد أن الإسلام هو الدين الذي ينبغي أن تقوم له وجوه الموحّدين. وهما وصفان للإسلام لم نكن لنفهم دلالتهما إلا بالقراءتين جميعا.

[المسألة الرابعة:]

قوله تعالى: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ، وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [يونس: ١٠/ ٣٠]، قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت) بالتاء.

وقرأ الباقون: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ (١) بالباء. وهما معنيان كما ترى، فالقراءة بالتاء إخبار عن حال العباد حينما تبسط الصحف أمامهم يوم القيامة فيقرئون ما فيها، ونظيرها قول الله عزّ وجلّ: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء: ١٧/ ١٣]، وقيل: بل معناه تتبع كل نفس ما قدمت في الدنيا، ومنه قول الشاعر:

إن المريب يتبع المريبا ... كما رأيت الذيب يتلو الذيبا (٢)

وأما القراءة بالباء فهي من الاختبار والابتلاء، أي: تختبر ما قدمت من عمل صالح، وغيره، وتعاين نتيجته، ومنه قوله تعالى: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ [ن: ٦٨/ ١٧]، أي اختبرناهم كما اختبرنا أصحاب الجنة.

[وثمرة الخلاف:]

كما ترى في إضافة معنى جديد في تفسير الآية، حيث يلزم الاعتقاد أن العبد يوم القيامة يتلو ما أسلف، ويبلو ما أسلف، فيندفع عنه بتلاوة الصحائف توهمه ضياع بعض عمله، ويندفع عنه بابتلاء الصحائف توهمه أنه لم يؤت جزاء ما عمل، وهذه المسألة من الغيبيات التي يكلف المؤمن باعتقادها، وكما ترى فإن كل واحد من المعنيين دلّت له قراءة متواترة يتحتّم على المسلم تصديقها والتزامها.


(١) قال الشاطبي في الحرز إشارة إلى قراءة المرموز لهم بالتاء وهما حمزة والكسائي.
... ... ... ... وفي باء التاء شاع تنزلا
وقال ابن الجزري في الدّرة مشيرا إلى اختيار خلف لوجهي حمزة والكسائي:
رم دن سكونا باء تلو التاء شفا ... ... ... ...
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ٢٤٣.
(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٨/ ٣٣٤.

<<  <   >  >>