أن نتخذ من دونك أولياء، وبمثل هذا القول قال أبو عبيدة، وعيسى بن عمر، وقد قال بردّ هذه القراءة في اللغة الإمام القرطبي في الجامع في نقل عزاه إلى النحاس يطول نقله، ومثل له بقولك:
ما اتّخذت رجلا وليّا (١)، وقولك: ما اتّخذت من رجل وليّا. وهو يشبه ما قدمته لك من اختيار الزمخشري؛ إذ لا يحسن أن تقول: ما اتّخذت من رجل من ولي.
[وثمرة الخلاف:]
أن المعبودات من دون الله من أنبياء وصالحين، وكذلك من أحجار، ونجوم، وأشجار إنما هي موحدة لله عزّ وجلّ، على الفطرة التي فطر الله عليها الخلق، إلا ما يكون من أمر الطواغيت والشياطين، الذين يدعون الناس إلى عباداتهم، كما قال الله سبحانه حكاية عن فرعون: فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى.
وعليه فإن الآية دلّت على أمرين اثنين:
الأول: أن الكائنات جميعا في الأصل موحدة، ما ينبغي أن تتخذ من دون الله من أولياء، وهو ما دلّت له قراءة الجمهور.
الثاني: أن بعض المخلوقات عبدت من دون الله على غير إرادة منها، فهي موحدة طائعة، لا تحمل إثم عبّادها وزيغهم إذا أقرّت بين يدي الله بالتوحيد، كما عبد بعض الكفرة عيسى بن مريم، وعبد بعضهم عزيرا، وكلاهما نبيّ كريم، لا يضرّه وزر عابديه، إذ كان قد سبق منهم دعوتهم إلى عقيدة التوحيد، وهذا المعنى دلّت له قراءة أبي جعفر.
وكنت أحبّ في هذا الباب أن أقف على رأي للإمام اللغوي الحجة أبي زرعة فإن من عاداته أن يبسط القول في مثل هذه المسائل، ولكنه يلتزم في كتابه الحجة الانتصار للسبعة، وليس منهم أبو جعفر، لذلك فإنني لم أقف على نقل لأبي زرعة في هذا المقام.
ومع ذلك فإنه لا يخفى أن اعتراض بعضهم على قراءة أبي جعفر محمول على عدم ثبوت تواترها عندهم، ولو ثبت عندهم التواتر لم تكن لهم مندوحة من قبول ذلك في اللغة والاستنباط.