للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قلتما إن ندرك السّلم معا ... بمال ومعروف من الأمر نسلم (١)

[ثمرة الخلاف:]

إن الله سبحانه أمرنا بالدخول في الإسلام، وهو ما دلّت له قراءة الكسر كما حرره أبو عمرو البصري، فكان أبو عمرو يقرأ السّلم حيث وردت في القرآن الكريم بالفتح إلا في هذا الموطن فإنه يقرؤها بالكسر ليشير إلى أن المراد هو الدخول في الإسلام (٢).

كذلك فإن الله سبحانه أمرنا بالسعي إلى الموادعة والمسالمة والمصالحة، وهو ما دلّت له قراءة الفتح كما اختار قتادة، وجمع من السلف، وهذا مبدأ رئيس في الإسلام، يتوكد به سعيه في حقن الدماء ونشر الإسلام، وهي قراءة أهل المدينة، ومكة، والكسائي، والكوفيين.

وليس بين القراءتين أدنى تعارض، بل إن تحقيق السلام في الأرض من أعظم مقاصد الإسلام، فتكون الآية هنا بمنزلة الآيتين، عملا بقاعدة: تعدد القراءات ينزل منزلة الآيات، وهي مسألة حررناها في الباب الأول من هذه الدراسة.

وثمة سؤال آخر يرد في هذا المقام على من تأوّل السلم بمعنى الدخول في الإسلام، وهو: كيف يرد الأمر على الدخول في الإسلام، وإن المخاطبين بذلك مؤمنون، فكيف يقال للمؤمن آمن، أو للمسلم أسلم؟

الجواب: إن الإسلام منازل أدناها قوله تعالى للأعراب: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ٤٩/ ١٤].

وأعلاها قول الله عزّ وجلّ على لسان إبراهيم خليل الرّحمن: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: ٢/ ١٢٨].


(١) جامع البيان في تفسير القرآن للطبري ٢/ ١٨٩.
(٢) انظر تحرير ابن مجاهد لاختيارات أبي عمرو في هذه المراجع في كتابه: السبعة في القراءات.

<<  <   >  >>