أما في التشريع الإسلامي، فإن الأمر كان أهون من ذلك بكثير، وما هو إلا أن اطمأنت نفوسهم بالإيمان، وسكنت إلى الله قلوبهم حتى صاروا في مراد الله أرغب منهم إلى مرادهم، ولأمره أطوع منهم لأوامر أنفسهم، وبعد مرحلة من التدرج الحكيم، نزلت آية واحدة في القرآن، قصمت ظهر أم الخبائث إلى الأبد:
وقد نزلت الآية وإن الرجل قد أدنى كوزه إلى فيه ليشرب منه، فما يبتلّ منه ريقه، وإن الدّنان العظام لم توكأ بعد حتى أكفئت في طرقات المدينة، حتى سارت طرقات المدينة بالخمر، ولم يعرف منذ ذلك التاريخ، أي أزمة في المجتمع الإسلامي بسبب الخمر، ولا أي مطالبة بإلغاء التشريع الذي قضى على تقليد جاهلي كان في نفوسهم وسلوكهم أرسخ من أي تقليد، حتى إن بابه في الأدب العربي أوسع الأبواب وأغزرها.
إنه الفرق الواضح بين تشريع الله وتشريع الإنسان ..
[وثمرة الخلاف:]
تظهر في المبالغة في التنفير من الخمر والميسر في صورهما كافة، فدلّت قراءة الكوفيين إلا عاصما على أن فيها إثم كثير من تعطيل العقل، وهدر الجهد، وتسلّط الشيطان، وإثارة العداوة والبغضاء.
ثم وصف هذا الإثم الكثير بأنه كبير لئلا يتوهم الغافل أن إثم هذه الفواحش يدرج في الصغائر، فجاء النّص على أنها كبيرة من الكبائر، يلزم منها وصف فاعلها بالفسق.
وقد تذرّع بعض الجهلة فزعموا أن الآية نصّ على وجود منافع في الخمر، وأن الله لا يحرم ما أخبر عن منفعته وفائدته.
ولا شك أن ذلك التفاف خبيث على مقصد الآية التي جاءت أساسا للتنفير من الخمر، وبيان أن المنافع المادية التي تحصل من تجارة الخمر، لا تعدل الإثم الكبير الذي يلحقه الخمر بالإيمان والأبدان، وهو ما صرّحت به الآية ذاتها: وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة: ٢/ ٢١٩].