للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عواهنه، بل يقرر فورا أن الإثم الذي يصيبك من جراء ذلك أكبر بكثير من النفع المادي الذي يحصله الإنسان، إن على سبيل الفرد، أو على سبيل الجماعة.

وبمقارنة بسيطة يدرك الإنسان، روعة التشريع الإلهي، وهيمنته على قضاياه، فها هي المجتمعات الأوربية اليوم في محاولاتها لتحريم الخمور، فإنها على الرغم ممّا للعلم وللعقل من تقديس واحترام في مناهج الغرب وتشريعاته، وعلى الرغم ممّا أكده العلم من أضرار الخمر على الجسم، ومن هدر للمال، ومن منافاة للذوق السليم، وعلى الرغم من نداءات وتحذيرات رجال العلم والطب والأدب عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وعلى الرغم من تدخل الدولة أحيانا بقوانينها وتشريعاتها وعقوباتها وسجونها؛ لم يستطيعوا أن يحدّوا من ارتفاع نسبة المدمنين والمدخنين، ناهيك عن تحريمها أو تخفيضها، أو منع الأطباء منها.

ففي أمريكا مثلا وعلى إثر حملات مكثفة للمؤسسات العلمية الأمريكية التي فضحت مضارّ الخمر المحققة، قام الكونغرس الأمريكي بإصدار قانون عام ١٩١٩ يحرّم صناعة الخمر سرّا وجهرا، ويمنع بيعها وتصديرها واستيرادها ونقلها وحيازتها، ويفرض العقوبات الشديدة بحق المخالفين، إما بالسجن أو الغرامة أو كليهما، ووضعت الحكومة لتنفيذ قانون التحريم إمكانات عظيمة، فأنفقت على الدعاية لتوعية الناس بكل الوسائل الإعلامية والتعليمية ما يزيد عن (٦٠) مليون دولار، ونشرت من الكتب والنشرات ما يزيد عن عشرة ملايين صحيفة، وأنفقت لتنفيذ القانون (٢٥٠) مليون جنيه، وكانت النتيجة بعد تطبيق القانون أربعة عشر عاما ما يلي: انتشار آلاف الحانات السرية، وازدياد عدد شاربي الخمر أضعافا، وسجن حوالي نصف مليون شخص لمخالفتهم القانونية، وصدر حكم الإعدام ب (٢٠٠) شخص من المجرمين بسبب الخمر، وانتشرت الخمور الرديئة التي زادت في الإضرار الصحية فأدت لهلاك (٧٥٠٠) شخص وإصابة (١١٠٠) شخص بأمراض صعبة، وذلك في عام واحد، كما ارتفعت نسبة جرائم القتل إلى ٣٠٠%، وكل هذا دفع الحكومة لإعادة النظر في قانونها، وقرر الكونغرس عام ١٩٣٣ م إلغاء قرار حظر الإباحة، وذلك بسبب الفشل الذريع، كما قال صوئيل في كتابه (قراءة حول الغول): «إن القرار قد ألغي على أساس واقعي هو أن المنع قد فشل» (١).


(١) استطلاع نشرته مجلة حضارة الإسلام في عدد شوال ١٣٨٢ هـ.

<<  <   >  >>