وقال في النّبي والأصحاب هجرا، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء فزعا يجرّ بداءه من الفزع، حتى انتهى إليه، فلما عاينه الرجل، رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا كان بيده ليضربه، فقال الرجل: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، والله لا أطعمها أبدا، فأنزل الله سبحانه:
وروي في أسباب النزول قصص مشابهة عن حمزة، وعن علي رضي الله عنه، فالله أعلم أي ذلك كان.
وهكذا فإن الآية كانت بمثابة إيحاء للناس بكراهية الخمر والميسر، وتهيؤ لنفوسهم للابتعاد عنها، بما تكشف لهم من جوانب الشّر في هذين الوباءين.
فالإسلام بما هو خطاب للإنسان، بكل غرائزه وميوله وواقعه؛ كان منسجما مع ذلك كله، يأمر بما يقتضي الحال، وبلغ أن يطاع، حينما أمر بالمستطاع.
فلم يكن تحريم الخمر أمرا سهلا في مجتمع الجاهلية، الذي لم يكن يفرق بين حاجته إلى الماء وحاجته إلى الخمر، وفي بلد كان الخمر فيه ثروة قومية أساسية، ربما أوصل إتلافه إلى كارثة اقتصادية، وفي مجتمع لم يكن يحسن التفريق بين وحي السماء، ووحي سدنة الوثن.
فبدأ تحريم الخمر ببناء قدسية وحي السماء في نفوس الناس، ثم التمهيد لهذا التحريم بحيث أن رءوس الأموال المرصودة له تتحول تدريجا عنه، ثم الكشف عن أضراره وأخطاره في البدن والعقل، حتى صار تحريمه مطلبا اجتماعيا، يسعى إليه العاقلون.
وهذا هو المقصود بهذه الآية التي جاءت قبل آية التحريم القاطع، فالخمر والميسر فيهما إثم كبير ومنافع للناس، ولا ريب أن المنافع المقصودة هنا هي تلك الأرباح التجارية التي يجنيها عاصر الخمر ومعتصره، وهو من حيث الواقع ربح حقيقي مؤكد، ولكن القرآن لا يترك الأمر على