تبدو دلالة العبارة متحدة في كلا القراءتين؛ إذ مؤداهما إلى النّهي عن موالاة الكفار واحد؛ إذا اتّخذوا ديننا هزوا ولعبا.
ولكن دلالة الإشارة تختلف في الخبر؛ إذ تجعل الأولى بالخفض فريقا من الكفار منهيّا عن موالاته، وهم الذين اتّخذوا ديننا هزوا ولعبا، فيما تجعل الثانية- بالنصب- سائر الكفار منهيّا عن موالاتهم، ولو لم يظهر منهم هزؤ ولعب بديننا وشريعتنا.
ولا شك أن هذا الاختصاص قيمته في التوكيد والتنبيه ليس إلا، وقد جاء التنزيل العزيز بالنهي عن موالاة سائر اليهود والنصارى وسائر المشركين في مقام آخر؛ قال الله سبحانه:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: ٥/ ٥١].
[فائدة:]
يتحدث بعض المؤلفين عن الولاء والعداء وكأنهما مفهومين متناقضين، بحيث لا يتصور اجتماعهما، ولا يتصور ارتفاعهما، على قواعد النقيض في المنطق، فمن لم يكن وليّا كان عدوّا، ومن لم يكن عدوّا كان وليّا (١).
والحق أنّ إطلاق مثل هذا الفهم من غير تمييز فيه إجحاف لما فصل فيه القرآن القول؛ إذ يظهر لك من استقراء الآيات في القرآن الكريم أن مفهوم العداء والولاء من باب الضدّ وليس من باب النقيض، فالضّدان لا يتصور اجتماعهما، ولكن يتصور ارتفاعهما، بخلاف النقيضين اللذين لا يتصوّر اجتماعهما وارتفاعهما.
وهكذا فإنه لا يمكن أن يجتمع العداء والولاء لأنهما ضدّان، ولكن يمكن أن يرتفعا جميعا، فهناك ولي، وهناك عدوّ، وهناك من لا يوصف بأنه ولي، ولكن لا يوصف أيضا بأنه عدو.
ففي الولاء قال الله عزّ وجلّ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التّوبة: ٩/ ٧١].
(١) انظر مثلا كتاب: العداء والولاء لعبد الله بن إبراهيم الطريقي، إصدار معهد العلوم الإسلامية والعربية في واشنطن- أمريكا.