للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأسلت، أراد ابنه أن يتزوج امرأته، وكان لهم ذلك في الجاهلية، فأنزل الله: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً (١).

قال المفسّرون: كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا مات الرجل وله امرأة؛ جاء ابنه من غيرها، أو قرابته من عصبته، فألقى ثوبه على تلك المرأة (٢). فكان إلقاؤه الثوب عليها، أمارة أنه اصطفاها لنفسه فلم يكن لغيره أن يخطبها، ولم يكن لها أن تردّه عنها.

[المسألة الخامسة:]

قوله تعالى: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [النّساء: ٤/ ١٩].

وقرأ ابن كثير، وأبو بكر (شعبة راوية عاصم): (بفاحشة مبيّنة)، بفتح الياء. وقرأ الباقون بكسر الياء: مُبَيِّنَةٍ. فمن قرأ بالكسر أراد اسم الفاعل، ومن قرأ بالفتح أراد اسم المفعول (٣).

ففي هذه الآية استثنى الله تعالى حالة واحدة يجوز فيها العضل أي الحبس والتضييق، وهي حالة إتيان الفاحشة المبينة كالزّنا، والسرقة، والنّشوز عن الطاعة، ونحو ذلك من الأمور الممقوتة شرعا وعرفا، ففي هذه الحال يجوز العضل لاسترداد ما أعطوه من صداق وغيره من المال لأن الإساءة من جانبها، واشتراط كون الفاحشة مبينة أي ظاهرة ثابتة إنما هو لمنع عضلها بمجرد سوء الظن بسبب غيرة الرجل الشديدة، وتسرّعه في الحكم على الزوجة البريئة، أو المرأة العفيفة، فيقع الرجل في الظلم حينئذ.


(١) تفسير ابن جرير الطبري جامع البيان ٤/ ٢١١.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٥/ ٩٥.
(٣) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة، ط مؤسسة الرسالة ١٩٧. وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري، ط البابي الحلبي ١٩٠. وعبارة الشاطبي:
وفي الكل فافتح يا مبينة دنا ... صحيحا وكسر الجميع كم شرفا علا
وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ط دار المعرفة ٥/ ٩٦.

<<  <   >  >>