للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثمرة الخلاف:]

على الرغم مما قدمنا، من مذاهبهم في تأويل الإحصان فلا يبدو هنا أن لاختلاف القراءة أثرا في الحكم الشرعي؛ إذ مدار الخلاف على التأويل- تأويل كلمة الإحصان- لا على القراءة.

وتبقى ثمرة الخلاف في القراءة على مذهب من قال: إن أحصن بالفتح: أسلمن، وبالضم:

تزوجن، وهو مذهب احتجّ به أبو زرعة للقراء (١)، وأورده القرطبي بلا عز ولأحد (٢)، وقد رأيت ضعفه وارتجاله فيما بيّناه.

وعلى كل فإن الجمع بين القراءتين وفق هذا الاستدلال ينتج عنه اشتراط التّزوج والإسلام جميعا في المحدودة، ويحمل حينئذ حديث البخاري الذي قدمناه على أنه أمر بالجلد على سبيل التعزير لا على سبيل الحدّ المقرر والله أعلم.

[المسألة الثالثة:]

قوله تعالى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ [المائدة: ٥/ ٤٥].

قرأ الكسائي: (والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسّنّ بالسّنّ والجروح قصاص)، ووافقه في لفظة (والجروح) ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وأبو جعفر، حيث قرءوا بالرفع في (والجروح قصاص) فقط، وقرأ الباقون ذلك كله بالنصب (٣).

فيكون توجيه قراءة الجميع من حيث اللغة واحدا، فمن نصب على إضمار (أن) بين المتعاطفات، وهو مذهب الأخفش وسيبويه، وهو نسق على قوله: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، وذلك حيثما نصب (٤).

ومن رفع فإنه رفع على الابتداء حيثما رفع، واعتبر المعنى منقطعا قبله.


(١) حجة القراءات لأبي زرعة ١٩٨.
(٢) الجامع للقرطبي ٥/ ١٤٣.
(٣) تقريب النشر في القراءات العشر ١٠٧. وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ١٩٩. وعبارة الشاطبي:
... والعين فارفع وعطفها ... رضىّ والجروح ارفع رضى نفر حلا
(٤) حجة القراءات لأبي زرعة ٢٢٦.

<<  <   >  >>