للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثامنة:]

قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: ٢/ ١٩٧].

قرأ ابن كثير: وأبو عمرو، ويعقوب، وأبو جعفر: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال) وانفرد أبو جعفر عنهم في رفع: (ولا جدال) أيضا.

وأما الباقون فقد قرءوا سائر كلمات الآية نصبا: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ (١).

وذهب أصحاب القراءة الأولى في توجيه قراءتهم إلى أنها واردة على تقدير: لا يكون رفث ولا يكون فسوق، فجعلوها خبرا بمعنى النّهي، وإنما تركوا رفع وَلا جِدالَ على تقدير أنه:

لا جدال في ميقات الحج، أي لا شكّ في الحج، ولا اختلاف في أنه ذي الحجة، لقوله سبحانه:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام: «وإنما افترقت الحروف عندهم لأنهم جعلوا قوله:

فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ بمعنى النهي، أي لا يكون رفث ولا فسوق، وتأوّلوا قوله:

وَلا جِدالَ أنه لا شك في الحج، ولا اختلاف في أنه ذو الحجة» (٢).

وأما أصحاب القراءة الثانية، وهم عامة قرّاء الأمصار إلا من ذكرنا، فقد جعلوها نفيا لجميع جنس الرّفث والفسوق والجدال، ويشهد لهم ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:

وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قال: «لا تمار صاحبك حتى تغضبه، فلم يذهب بها ابن عباس ذلك المذهب، ولكنه جعله نهيا كالحرفين الأولين، وأن حرف النهي دخل في الثلاثة» (٣).


(١) تقريب النّشر لابن الجزري ٩٦. وعبارة الشاطبية:
وبالرفع نونه فلا رفث ولا ... فسوق ولا حقا وزان مجملا
وقد تضمنت الإشارة إلى مذهب أبي عمرو وابن كثير، وهما المشار إليهما ب (حق)، واستكمل ابن الجزري بيان مذهب يعقوب وأبي جعفر في الدّرة المضية بقوله:
... وارفع رفث وفسوق مع ... جدال وخفض في الملائكة اثقلا
(٢) حجة القراءات لأبي زرعة ١٢٤.
(٣) المصدر نفسه.

<<  <   >  >>