للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الآيات التي أشارت إلى قضاء الله وفصله بين الخلائق: قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ [غافر: ٤٠/ ٤٨].

[المسألة الثانية عشرة:]

قوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج: ٨٥/ ١٤ - ١٥].

قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (وهو الغفور الودود* ذو العرش المجيد). وقرأ الباقون: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ.

فالمجيد على قراءة أهل الكوفة صفة للعرش، وعلى قراءة الجمهور صفة للمولى سبحانه، والمجد هو الشرف، وقد تحيّر علماء اللغة في الجزم بمرادف واحد للمجد، فتعددت أقوالهم في ذلك (١)، ولكن أكثرهم على ما اختار أبو زرعة أنه الشرف، ويمكن أن يقال: المجد: ذروة كل شيء (٢).

[وثمرة الخلاف:]

أن القراءة بالرفع أفادتنا اسما من أسمائه سبحانه وتعالى، وهو المجيد، وهذا الاسم ورد صريحا في قوله تعالى: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود: ١١/ ٧٣].

وأفادت القراءة بالخفض أن العرش أيضا يقال له: عرش مجيد، وذلك كله من الغيبيات التي لا سبيل للمرء إلى معرفتها باجتهاد، إنما تعرف بالتواتر النّقلي.

وأما تفصيل القول في مسألة العرش فليس من شرط دراستنا في هذا المقام، ولكن نورد في هذا المقام بعض ما أوردته الصحاح عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم في وصف العرش حيث لا سبيل للجزم بأي من أوصاف العرش الكريم إلا عن طريق النقل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن في الجنة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه


(١) تقريب النشر لابن الجزري ١٨٦. وعبارة طيبة النشر:
محفوظ افرغ خفضه اعلم وشفا ... عكس المجيد قدّر الخفّ رفا
وانظر حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ٧٥٧.
(٢) في القاموس للفيروزآبادي من ذلك: المجد: نيل الشرف والكرم، والمجيد: الرفيع العالي، والكريم، والشريف الفعال.

<<  <   >  >>