للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يسمعون) قوله: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [الجنّ: ٧٢/ ٩].

وقوله [بعدها]: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ ... [الصّافات: ٣٧/ ١٠]، فعلم بذلك أنهم يقصدون للاستماع، ومن حجتهم أيضا إجماع الجميع على قوله: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء: ٢٦/ ٢١٢]، وهو مصدر (سمعت)، والقصة واحدة.

وتأويل الكلام: وحفظا من كل شيطان مارد لئلا يسمعوا، بمعنى أنهم ممنوعون بالحفظ عن السمع. فكفّت (لا) من (أن) كما قال: كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ... [الشّعراء: ٢٦/ ٢٠٠ - ٢٠١]، بمعنى: لئلا يؤمنوا به، فكفّت (لا) من (أن) كما كفّت (أن) من (لا) في قوله تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النّساء: ٤/ ١٧٦]، فإن قال قائل: فلو كان هذا هو الوجه لم يكن في الكلام (إلى) ولكان الوجه أن يقال: لا يسمعون الملأ الأعلى.

قلت: العرب تقول: سمعت زيدا، وسمعت إلى زيد، فكذلك قوله: لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وقد قال جلّ وعزّ: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف: ٧/ ٢٠٤]، وقال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [الأنعام: ٦/ ٢٥]، فيعدّي الفعل مرة ب- (إلى) ومرة باللام كقوله: وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [النّحل: ١٦/ ١٢١]، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف: ٧/ ٤٣]، وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النّحل: ١٦/ ٦٨]، وقال:

بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (١) [الزّلزلة: ٩٩/ ٥]. ومن قرأ: يَسَّمَّعُونَ فالأصل: (يتسمعون) فأدغم التاء في السين لقرب المخرجين.

وحجتهم في أنهم منعوا من التّسمع؛ الأخبار التي وردت عن أهل التأويل بأنهم كانوا يتسمعون الوحي، فلما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رموا بالشّهب، ومنعوا، فإذا كانوا عن التّسمع ممنوعين كانوا عن السّمع أشدّ منعا وأبعد منه، لأن المتسمع يجوز أن يكون غير سامع، والسامع قد حصل له الفعل، قالوا: فكان هذا الوجه أبلغ في زجرهم؛ لأن الإنسان قد يتسمّع ولا يسمع، فإذا نفي التّسمع عنه


(١) حجة القراءات ٦٠٥. وانظر سراج القاري ٣٣٤. وعبارة الشاطبي:
... ... ... ... يسمعون شذا علا
بثقلية ... ... ... .. ... ...

<<  <   >  >>