وقد أدّى النّبي صلّى الله عليه وسلّم ما أوحي إليه فلم يضنّ بشيء، وكان في بعض ما أدّاه عتب عليه شديد، ولو كان له أن يبدله من تلقاء نفسه لكتم ذلك، وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: لو كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ [الأحزاب: ٣٣/ ٣٧].
فهذه الآيات ونظائرها تضمّنت عتبا شديدا على النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو كان له أن يضنّ بشيء من الوحي لضنّ بهذا. وأما باب الظّن فقد رزقه الله سبحانه من اليقين ما لم يؤته أحد، وبحسبك أنه بشّر سراقة بن مالك بن جعشم بسواري كسرى وتاجه وهو طريد خائف، يخاف أن يتخطّفه الناس، وبشّر المسلمين بكنوز كسرى وقيصر يوم الخندق، وإن المشركين ليطوقون المدينة كما يطوق السوار المعصم، والمنافقون بداخل المدينة يغلون بالنّفاق ويقولون: ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب: ٢٣/ ١٢]، واليهود يغدرون من الخلف ويكيدون للإسلام والمسلمين.