ولكنه ناقض في موضعين؛ قال: إذا انقطع دمها لأكثر الحيض حينئذ تحلّ. وإن انقطع دمها لأقل الحيض لم تحلّ حتى يمضي وقت صلاة كامل.
الثاني: لا يطؤها حتى تغتسل بالماء غسل الجنابة. قاله الزهري، وربيعة، والليث، ومالك، وإسحاق، وأحمد، وأبو ثور.
الثالث: تتوضأ للصلاة. قاله طاوس، ومجاهد.
فأما أبو حنيفة فينتقض قوله بما ناقض فيه، فإنه تعلق بأن الدم إذا انقطع لأقل الحيض لم يؤمن عودته. قلنا: ولا تؤمن عودته إذا مضى وقت صلاة فبطل ما قلته.
والتّعلق بالآية يدفع من وجهين:
أحدهما: أن الله تعالى قال: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ- مخففا- وقرئ:(حتّى يطّهّرن) مشددا. والتخفيف وإن كان ظاهرا في استعمال الماء فإن التشديد فيه أظهر، كقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة: ٥/ ٦]، فجعل ذلك شرطا في الإباحة وغاية للتحريم.
فإن قيل: المراد بقوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ حتى ينقطع عنهن الدّم: وقد يستعمل التشديد موضع التّخفيف، فيقال: تطهّر بمعنى طهر، كما يقال: قطع وقطّع ويكون هذا أولى لأنه لا يفتقر إلى إضمار، ومذهبكم يفتقر إلى إضمار قولك: بالماء.- أي فإذا تطهرن بالماء-.
قلنا: لا يقال: طهّرت المرأة بمعنى انقطع دمها، ولا يقال: قطّع- مشددا- بمعنى قطع مخففا، وإنما التشديد بمعنى تكثير التخفيف.
جواب آخر، وهو أنه قد ذكر بعده ما يدلّ على المراد فقال: فَإِذا تَطَهَّرْنَ والمراد بالماء، والظاهر أن ما بعد الغاية في الشرط هو المذكور في الغاية قبلها، فيكون قوله تعالى:
حَتَّى يَطْهُرْنَ مخففا. وهو معنى قوله: يَطْهُرْنَ مشددا- بعينه جمع بين اللغتين في الآية كما قال تعالى: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التّوبة: ٩/ ١٠١].
وقال الكميت:
وما كانت الأبصار فيها بغيب ... ولا غيّبا فيها إذ النّاس غيّب