للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقوله: لا جُنُباً [النّساء: ٤/ ٤٣]، كان تكرار ذلك غير فصيح (١)، واستدلّوا كذلك بما قدمناه من مذهب ابن مسعود (٢).

واختار الحنفية أن اللّمس والملامسة حقيقة في الجماع، ولكن الله يكني (٣)، وقد استدلوا لذلك بما قدمناه من مذاهب الصحابة كابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما (٤).

وقد توسّط المالكية فجعلوا نقض الوضوء بلمس المتوضئ البالغ لشخص يلتذ به عادة، فجعلوا الضابط لنقض الوضوء حصول اللذة، ونصّوا على أن القبلة تنقض الوضوء مطلقا بين البالغين لأنها مظنّة الشهوة، وهو شبيه برأي الحنابلة في المشهور (٥).

وهو ما دلّت له عبارة ابن العربي المالكي: «راعى مالك في اللمس القصد، وجعله الشافعي ناقضا للطهارة بصورته كسائر النواقض»، ثم أورد دليلا على ما اختاره في قوله: «إن الله تعالى أنزل اللمس المفضي إلى خروج المذي منزلة التقاء الختانين المفضي إلى خروج المني، فأما اللمس المطلق فلا معنى له، وذلك مقرر في مسائل الخلاف» (٦).

قال ابن جرير الطّبري: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: أراد الله بقوله:

أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قبّل بعض نسائه ثم صلّى، ثم روى عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتوضأ ثم يقبّل، ثم يصلّي.

وعن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ، قال عروة: قلت من هي إلا أنت، فضحكت (٧).

ويمكن الجمع بين القراءتين أن الله عزّ وجلّ أمر بالوضوء من غشيان النساء، وذلك على سبيل الحتم، ثم أمر به من مسهنّ على سبيل النّدب، وإنما صرف المعنى هاهنا من الحتم إلى النّدب


(١) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٥/ ٢٢٤.
(٢) انظر ص ٢٥٧ من هذا الكتاب.
(٣) الدّر المنثور للسيوطي ٢/ ١٦٦.
(٤) انظر ص ٢٥٧ من هذا الكتاب.
(٥) موسوعة الفقه الإسلامي وأدلّته، د. وهبة الزحيلي ١/ ٢٧٦.
(٦) أحكام القرآن لابن العربي المالكي ١/ ٤٤٥.
(٧) جامع البيان في تفسير القرآن للإمام ابن جرير الطبري ٥/ ١٠٥.

<<  <   >  >>