للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك قوله تعالى: مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد: ٤٧/ ١٥]، وقوله: بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [النّور: ٢٤/ ٢٩]. فكيف ساغ أن تأتي في هذا المقام وصفا لمعرفة؟

وقد أجاب الزجاج عن ذلك بقوله: وجاز وصف التابعين ب (غير) وإن كانت (غير) يوصف بها النكرة، فإن التابعين هاهنا ليس بمقصود به إلى قوم بأعيانهم، إنما معناه لكل تابع غير ذي إربة (١).

وفي سياق ما أورده الزجاج نورد قول الله عزّ وجلّ: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النّساء: ٤/ ٩٥]، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب، فقد جاءت وصفا لمرفوع وهو الْقاعِدُونَ فرفعت مثله. وذلك لأنهم غير مقصودين بأعيانهم فكانوا بمنزلة النكرة في هذا المقام.

واختلف الناس في معنى قوله تعالى: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فقيل: هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء. وقيل: الأبله. وقيل: الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم، وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن. وقيل: العنين. وقيل: المخنث. وقيل: الشيخ الكبير، والصبي الذي لم يدرك. وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى، ويجتمع فيمن لا فهم له، ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء (٢).

قال الشوكاني: لا وجه لتخصيص بعينه، بل المراد بالآية ظاهرها، وهم من يتبع أهل البيت، ولا حاجة لهم في النساء (٣).

وأكثر المفسّرين على أن هذه الآية جاءت تقريرا لواقعة هيت المخنث، وهي التي أخرجها مسلم، وأبو داود، وغيرهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رجل يدخل على أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم مخنث، وكانوا يعدّونه من غير أولي الإربة، فدخل النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو ينعت امرأة يقول: إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا لا أرى هذا يعلم ما هاهنا، لا يدخلن عليكن»، فأخرجه من المنزل.


(١) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ٤٩٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٢/ ٢٣٤.
(٣) فتح القدير للشوكاني ٤/ ٢٤.

<<  <   >  >>