للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ رجع كل رجل إلى نسبه ورحمه، وانقطعت تلك الوراثة (١).

والخلاصة أن الآية يفهم منها معنيان:

الأول: الميراث هو قراءة الكسر.

الثاني: النّصرة وهو قراءة الخفض.

فالأول باق تلاوة منسوخ حكما، والثاني باق تلاوة وحكما.

وهذا القول بأن الولاية بالكسر محمولة على الميراث، هو الذي دلّ عليه السياق، واختاره جماهير المفسرين والنّحاة، كما نقلنا عن الفراء؛ لكن نقل القرطبي هذه القراءة، وعزاها إلى يحيى بن وثاب، والأعمش أيضا، ثم قال: قيل هي لغة في الولاية، ثم قال: والفتح في هذا أبين وأحسن، لأنه بمعنى النصرة والنسب، وقد تطلق الولاية بمعنى الإمارة (٢).

وكذلك فإن القاضي ابن العربي نقل المعنيين جميعا من قراءة واحدة، وهي قراءة الفتح، فقال: ما لكم من ولايتهم من شيء: قيل: من النصرة لبعد دارهم، وقيل: من الميراث لانقطاع ولايتهم.

وللإمام الرازي الجصاص تحرير لطيف في هذه المسألة لكنه لم يتطرق فيه لأمر القراءة، كأنه كان يرى أنهما لغتان في معنى التوارث، وهاك نصه:

اختلف السلف في أن التوارث كان ثابتا بينهم بالهجرة والأخوة التي آخى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهم دون الأرحام، وأن ذلك مراد هذه الآية، وأن قوله تعالى: أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [الأنفال: ٨/ ٧٥]، وقد أريد به إيجاب التوارث بينهم، وأن قوله: ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا [الأنفال: ٨/ ٧٢]، وقد نفى إثبات التوارث بينهم بنفيه الموالاة بينهم، وفي هذا دلالة على أن إطلاق لفظ الموالاة يوجب التوارث وإن كان يختص به بعضهم دون جميعهم، على حسب وجود الأسباب المؤكدة له؛ كما أن النسب سبب يستحق به الميراث، وإن كان بعض


(١) انظر الدّر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، ط دار المعرفة ٣/ ٢٠٥. ورواه كذلك ابن جرير الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ومن طريق قتادة، وانظر كذلك فتح الباري للحافظ ابن حجر ٨/ ٢٤٩.
(٢) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٨/ ٥٦.

<<  <   >  >>