للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال البيهقيُّ: «ويُذكر عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليَّاً - رضي الله عنه - صلى المغرب صلاة الخوف ليلة الهرير» (١).

وقال ابن كثير: «ثم حانت صلاة المغرب، فما صلى عليٌّ بالناس إلا إيماء صلاتي العشاء، واستمر القتال في هذه الليلة كلها، وهي من أعظم الليالي شراً بين المسلمين، وتُسمى هذه الليلة ليلة الهرير. وكانت ليلة الجمعة تقصَّفتْ فيها الرماح، ونفدتْ النبال، وصار الناس إلى السيوف، وعلي - رضي الله عنه - يحرِّض القبائل، ويتقدَّم إليهم، يأمر بالصبر والثبات وهو أمام الناس في قلب الجيش، وعلى الميمنة الأشتر النخعي، تولَّاها بعد قتل عبد الله بن بديل، عشية الخميس ليلة الجمعة، وعلى الميسرة ابن عباس، والناس يقتتلون من كل جانب، وذلك لما قُتل عمَّار، عرف أهل العراق أن أهل الشام بغاة ليس معهم حق» (٢).

وقال أبو إسحاق ابن ديزيل: «وهو في تلك الليالي هي ليله الهرير، جعل يهرُّ بعضهم على بعض.

والهرير: الصوت يشبه النباح، لأنهم تراموا بالنبل حتى فنيت، وتطاعنوا الرماح حتى اندقت، وتضاربوا بالسيوف حتى انقضت، ثم نزل القوم يمشي بعضهم إلى بعض قد كسروا جفون سيوفهم، واضطربوا بما بقي من السيوف وعمد الحديد، فلا تسمع إلا غمغمة القوم والحديد في الهام، ولما صارت السيوف كالمناجل تراموا بالحجارة، ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب، ثم تكادموا بالأفواه، وكسفت الشمس، وثار القتام، وارتفع الغبار، وضلت الألوية والرايات، ومرت أوقات أربع صلوات، لأن القتال كان بعد صلاة الصبح واقتتلوا إلى نصف الليل» (٣).


(١) السنن الكبرى (٣/ ٣٥٨).
(٢) البداية والنهاية (١٠/ ٥٤١ - ٥٤٢).
(٣) التذكرة للقرطبي (ص: ١٠٨٦ - ١٠٨٧).

<<  <   >  >>