وقال ابنُ حجرٍ الهيتمي:«ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جرى بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- من الحروب فلم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة؛ للإجماع على أحقيتها لعلي، فلم تهج الفتنة بسببها، وإنما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من عليٍّ تسليم قتلة عثمان إليهم، لكون معاوية ابن عمه فامتنع عليٌّ، ظنَّاً منه أن تسليمهم إليهم على الفور -مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر علي- يؤدي إلى اضطرابٍ وتزلزلٍ في أمر الخلافة التي بها انتظام كلمة أهل الإسلام، سيما وهي في ابتدائها لم يستحكم الأمر فيها، فرأى علي - رضي الله عنه - أن تأخير تسليمهم أصوب، إلى أن يرسخ قدمه في الخلافة، ويتحقق التمكن من الأمور فيها على وجهها، ويتم له انتظام شملها، واتفاق كلمة المسلمين، ثم بعد ذلك يلتقطهم واحداً فواحداً ويسلمهم إليهم»(١).
وبهذا يتبين نكارة كثير من الروايات -فضلاً عن وهاء سندها- التي تُصوِّر معاوية - رضي الله عنه - محارباً لأجل الخلافة والولاية، وأنَّ الأمر دائرٌ صراعه، وقائمةٌ حروبه وخلافاته على أمرٍ دنيويٍّ، وليس عن اجتهاد شرعي، يبغي كل طرف فيه الوصول إلى الحق الذي ينشده، وفيما يلي -بإذن الله- مزيد بيان لأحوال الصحابة والناس في تلك الفتنة.
[انقسام الصحابة والناس بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه -]
منذ مقتل عثمان - رضي الله عنه - وبدأت الفتن تلوح في الأفق، وتلقي بظلالها على من عاصرها، ويرجع أصل النزاعات والحروب التي قامت في هذا الوقت إلى الخلاف الواقع حول مسألة الثَّأر لدم عثمان، والانتصار من قاتليه، فهذه المسألة وإن كان متَّفقا عليها بين الجميع، إلا أن الخلاف وقع بينهم في: متى تكون؟
ففريق يرى أن هذا الأمر مُقدَّمٌ على غيره، وهذا الفريق انقسم لقسمين: