(٢) فقد أخرجه البلاذري من طريق جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل؛ به. والأعمش معروف بالتدليس، وقد عنعن هنا، فلا يُقبل حديثه، خاصة مع ما فيه من نكارة في المتن. فإن قال قائل: قد قال الذهبي في الميزان (٢/ ٢٢٤): "وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدرى به، فمتى قال: حدثنا؛ فلا كلام، ومتى قال: عن؛ تطرق إلى احتمال التدليس؛ إلا في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال". فلم يُعلُّ الأثر هنا بعنعنته، وهو من روايته عن أبي وائل؟! فالجواب: أن هذا الكلام محمول على الغالب، وبشرط استقامة المتن، أما في حالة النكارة؛ فلا يُتساهل معه، وهذا قول الأئمة، وتطبيقهم. قال المعلمي في التنكيل (١/ ٢٣٨): "ففي رواية الأعمش أحاديث كذلك ضعفها أهل العلم، بعضها بضعف بعض من فوق الأعمش في السند، وبعضها بالانقطاع، وبعضها بأن الأعمش لم يصرح بالسماع وهو مدلس، ومن هذا الأخير: حديث في شأن معاوية، ذكره البخاري في تاريخه الصغير، ص: ٦٨، ووهَّنه بتدليس الأعمش، وهكذا في رواية عبد الرزاق وآخرين".
وقال أيضا في مقدمة الفوائد المجموعة (ص: ٨): "إذا استنكر الأئمة المحققون المتن، وكان ظاهر السند الصحة؛ فإنهم يتطلبون له علة، إذا لم يجدوا علة قادحة مطلقاً، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر، من ذلك إعلالهم أن راويه لم يصرح بالسماع، هذا مع أن الراوي غير مدلس، أعل البخاري بذلك خبراً رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عكرمة، تراه في ترجمة عمرو من التهذيب". ثم ساق أمثلة أخرى، وقال: "وحجتهم في هذا بأن عدم القدح في العلة مطلقا إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكراً يغلب ظن الناقد بطلانه؛ فقد يحقق وجود الخلل، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة فالظاهر أنها هي السبب، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها، ولهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق". ويزيدك اطمئنانا لهذا الكلام: ما ذكرناه بأعلى من إعلال الإمام أحمد لخبر منكر عن معاوية، من طريق الأعمش أيضا عن أبي وائل.