للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن حجراً -فيما يُقال- رأى من زياد أمورا منكرة؛ فحصبه، وخلعه، وأراد أن يقيم الخلق للفتنة، فجعله معاوية ممن سعى في الأرض فساداً، وقد كلمته عائشة في أمره حين حج، فقال لها: دعيني وحجراً حتى نلتقي عند الله.

وأنتم معشر المسلمين أولى أن تدعوهما حتى يقفا بين يدي الله مع صاحبهما العدل الأمين المصطفى المكين، وما أنتم ودخولكم حيث لا تشعرون، فما لكم لا تسمعون؟» (١).

الشبهة الثامنة: لعنُ وسبُّ معاوية لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -:

من الأباطيل التي تُنسب إلى معاوية - رضي الله عنه -: أنه كان يسبُّ عليَّاً ومن معه، ويأمر بسبِّهم! وهذا من الكذب والافتراء، فلم يصح عن معاوية -فيما علمنا- شيء من ذلك، وأما ما جاء صحيحا من الروايات يفهم منه البعض انتقاصا من معاوية لعلي؛ فهو على غير ما فُهم، كما سيأتي.

ولنبدأ بما لم يصح سنده، لأنه صريح العبارة:

قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب الكلبي: «أن عليَّاً كان إذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللهم العن معاوية، وعَمْراً، وأبا الأعور السلمي، وحبيباً، وعبد الرحمن بن خالد، والضحاك بن قيس، والوليد.

فبلغ ذلك معاوية، فكان إذا قنت لعن عليَّاً، وابن عباس، والأشتر، وحسناً، وحسيناً» (٢).

والجواب عن هذه الرواية: أنا واهية السند، منكرة المتن!

أما السند: ففيه أبو مخنف لوط بن يحيى، تقدَّم أنه أخباري تالف، وشيخه أبو جناب الكلبي يحيى بن أبي حية: ضعَّفوه لكثرة تدليسه (٣).

وأما المتن: ففيه أن عليَّاً هو الذي بدأ بالقنوت على معاوية وأصحابه، وهذا بعيد عن علي، فهو الذي عذرهم -كما تقدَّم- وشهد لهم بالإيمان، وكذلك يبعد عن معاوية أن يسب من علم فضلهم، وقد تقدَّمت شهادته بأنه يعلم أن عليَّاً أفضل وأعلم منه، وسيأتي بعد قليل ما يؤكد هذا المعنى.


(١) العواصم من القواصم (ص: ٢١١ - ٢١٣).
(٢) تاريخ الطبري (٥/ ٧١).
(٣) تقريب التهذيب (٧٥٣٧).

<<  <   >  >>