على كل حالٍ، لقد نزلت الفتنة، ووقع عثمان - رضي الله عنه - في المحنة، وليس من شأن كتابنا هنا أن يخوض غمارها، ويبحث في أسبابها، وأحداثها، وموقف الصحابة - رضي الله عنهم - منها، وإنما يختص فقط بموقف معاوية - رضي الله عنه - فيها.
بداية ظهور الفتنة بالكوفة، ونَفْيُ المتكلمين إلى الشام عند معاوية:
كان سعيد بن العاص لا يغشاه إلا نازلةُ أهل الكوفة ووجوه أهل الأيام وأهل القادسية وقرَّاء أهل البصرة والمتسمِّتون، وكان هؤلاء دَخَلَتَه إذا خلا، فأما إذا جلس للناس: فإنه يدخل عليه كل أحدٍ، فجلس للناس يوماً، فدخلوا عليه، فبينا هم جلوس يتحدثون قال خنيس بن فلان: ما أجود طلحة بن عبيد الله! فقال سعيد بن العاص: إن من له مثل النشاستج لحقيق أن يكون جواداً، والله لو أنَّ لي مثله لأعاشكم الله عيشاً رغداً، فقال عبد الرحمن بن خنيس- وهو حدث-: والله لوددتُ أنَّ هذا الملطاطَ لك- يعني ما كان لآل كسرى على جانب الفرات الذي يلي الكوفة- قالوا: فضَّ الله فاك! والله لقد هممنا بك، فقال: خنيس غلام فلا تجازوه، فقالوا: يتمنى له من سوادنا! قال: ويتمنى لكم أضعافه، قالوا: لا يتمنى لنا ولا له، قال: ما هذا بكم! قالوا: أنت والله أمرته بها، فثار إليه الأشتر وابن ذي الحبكة وجندب وصعصعة وابن الكواء وكميل بن زياد وعمير بن ضائى، فأخذوه فذهب أبوه ليمنع منه فضربوهما حتى غشي عليهما، وجعل سعيد يناشدهم ويأبون، حتى قضوا منهما وطراً، فسمعت بذلك بنو أسد، فجاءوا وفيهم طليحة فأحاطوا بالقصر، وركبت القبائل، فعاذوا بسعيد، وقالوا: أفلتنا وخلصنا.