للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فخرج سعيد إلى الناس، فقال: أيها الناس، قوم تنازعوا وتهاووا، وقد رزق الله العافية ثم قعدوا وعادوا في حديثهم، وتراجعوا فساءهم وردهم، وأفاق الرجلان، فقال: أبكما حياة؟ قالا: قتلتنا غاشيتك، قال: لا يغشوني والله أبدا، فاحفظا عليَّ ألسنتكما ولا تجرِّئا عليَّ الناس، ففعلا ولما انقطع رجاء أولئك النفر من ذلك قعدوا في بيوتهم، وأقبلوا على الإذاعة حتى لامه أهل الكوفة في أمرهم، فقال: هذا أميركم، وقد نهاني أن أحرك شيئاً، فمن أراد منكم أن يحرك شيئاً فليحركه.

فكتب أشراف أهل الكوفة وصلحاؤهم إلى عثمان في إخراجهم، فكتب: «إذا اجتمع ملؤكم على ذلك فألحقوهم بمعاوية»، فأخرجوهم، فذلوا وانقادوا حتى أتوه- وهم بضعة عشر- فكتبوا بذلك إلى عثمان، وكتب عثمان إلى معاوية: «إن أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفراً خُلقوا للفتنة، فرعهم وقم عليهم، فإن آنست منهم رشداً فاقبل منهم، وإن أعيوك فارددهم عليهم».

فلما قدموا على معاوية رحَّب بهم، وأنزلهم كنيسة تسمى مريم، وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يجرى عليهم بالعراق، وجعل لا يزال يتغدى ويتعشى معهم، فقال لهم يوما: «إنكم قوم من العرب لكم أسنان وألسنة، وقد أدركتم بالإسلام شرفاً، وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم ومواريثهم، وقد بلغني أنكم نقمتم قريشاً، وأن قريشاً لو لم تكن عدتم أذلةً كما كنتم، إن أئمتكم لكم الى اليوم جُنَّة فلا تشذُّوا عن جنتكم، وإن أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور، ويحتملون منكم المئونة، والله لتنتهن أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم، ثم لا يحمدكم على الصبر، ثم تكونون شركاء لهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم.

فقال رجل من القوم: أمَّا ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا، وأما ما ذكرت من الجُنَّة فإن الجُنَّة إذا اختُرِقت خُلِص إلينا.

<<  <   >  >>