للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحتمل إن ثبُت الأول أن يكون سعدٌ أطلق ذلك بحسب ما استصحب من حاله، ولم يطَّلع على أنَّه كان أسلم لإخفائه لإسلامه» (١).

وحاصل هذه الأقوال كلها: أنَّ معاوية ظهر إسلامُه عام الفتح، سنة ثمانٍ من الهجرة، وهذا لا نزاعَ فيه، ولكن يبقى النِّزاع قائماً فيما إذا كان أسلم قبل ذلك وأخفى إسلامه لهذا الوقت، أم أنَّ هذا كان بداية إسلامه. والأمر في ذلك قريب، لأنه حتى إن ثبُت إسلامه قبل الفتح؛ فهو لم يلحق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصحبه إلا بعد الفتح، وهذا ما يهمنا هنا.

معاوية - رضي الله عنه - مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢):

أولاً: مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جهاده:

بعد قليل من مُكْث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفتح، خرج للقاء هَوازِن وثَقِيف في يوم حُنينٍ، وبعدها توجَّه للطَّائف (٣)، وقد شهد معاوية - رضي الله عنه - المشهدَيْن معه.

قال محمدُ بن عمر الواقديُّ: «وشَهِد معاوية بن أبي سفيان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُنَيْناً، والطائفَ، وأعطاه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من غنائم حنينٍ مائةً من الإبل، وأربعين أوقيةً، وَزَنَها له بلال» (٤).


(١) الإصابة (٦/ ١٢٠). وانظر: فتح الباري (٣/ ٥٦٦).
(٢) ليس الغرض من هذا العنوان بيان فضائل معاوية، فسنفرد لهذا بابا مستقلا بإذن الله، وإنما الغرض بيان تعامله وأحواله مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٣) انظر تفاصيل ذلك في: السيرة النبوية الصحيحة (٢/ ٤٨٩ - ٥٢٠)، د. أكرم ضياء العمري.
(٤) الطبقات الكبرى (٧/ ٤٠٦)، وباقي المصادر تذكر شهوده حنينا فقط دون الطائف، انظر: أسد الغابة (٥/ ٢٠١)، تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ١٠١)، البداية والنهاية (١١/ ٣٩٦).

بل في الطبقات الكبرى نفسه في موطن آخر (المتمم للصحابة، الطبقة الرابعة، ص: ١٠٦) لم يذكر الطائف، وهذا ما نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء (٣/ ١٢٢)، ثم أبدى اعتراضا على هذا العطاء المزعوم، وربط بين هذا وحال معاوية بعد المعركة، ونَقْل الواقدي نفسه في تقدم إسلامه؛ فقال: "الواقدي لا يعي ما يقول، فإن كان معاوية كما نقل قديم الإسلام، فلماذا يتألفه النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ولو كان أعطاه، لما قال عندما خطب فاطمة بنت قيس: «أما معاوية فصعلوك لا مال له» ".
قلتُ (أحمد): وهذا وجه آخر لتضعيف ما أخرجه الطبري في تاريخه (٣/ ٩٠) من طريق عبد الله بن أبي بكر قال: "أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم، وكانوا أشرافا من أشراف الناس يتألفهم ويتألف به قلوبهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، وأعطى ابنه معاوية مائه بعير". فزيادة على ما انتقد به الذهبي كلام الواقدي، وهو نفس النقد الموجه لهذه الرواية؛ فإن إسنادها لا يصح، ففيه: محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف، كما في التقريب (٥٨٣٤)، كما أنه مرسل!

<<  <   >  >>