للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفتوحات في خلافة معاوية]

ذكرنا قبل ذلك أن من أهم نتائج صلح الحسن مع معاوية: عودة الفتوحات إلى ما كانت عليه، فمن بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه -، وحتى هذا الصلح، كانت السيوف والسهام موجَّهة لجسد الأمة من الداخل، ولم يكن هناك فتوحات خارجية في هذه الفترة العصيبة، وكان هذا من أسباب قبول الحسن - رضي الله عنه - الصلح مع معاوية.

قال الحسن - رضي الله عنه -: «قد رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها، وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث، فقد طالت الفتنة، وسقطت فيها الدماء، وقُطِّعت فيها الأرحام، وقُطِّعت السبل، وعُطِّلت الفروج - يعني الثغور-» (١).

وقد صدق الحسن - رضي الله عنه - فيما قال، فما إن استتب الأمر، وتولَّى معاوية - رضي الله عنه - الحكم؛ حتى عادت الفتوحات الإسلامية مرة أخرى لسابق عهدها.

يقول فقيه أهل الشام في زمانه سعيد بن عبد العزيز التنوخي: «لما قُتِل عثمان واختلف الناس، لم تكن للناس غازية، ولا صائفة، حتى اجتمعت الأمة على معاوية سنة أربعين، وسموها سنة الجماعة.

فأغزا معاوية الصوائف، وشتاهم بأرض الروم ست عشرة صائفة، تصيف بها وتشتو، ثم تقفل وتدخل معقبتها» (٢).

وقال ابن كثير: «استقل معاوية بالأمر سنة إحدى وأربعين، وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين; مرة في الصيف، ومرة في الشتاء، ويأمر رجلا من قومه فيحج بالناس، وحج بالناس معاوية سنة خمسين» (٣).

لكن يبدو أيضا أن هذه الفتوحات لم تبدأ فور تولي معاوية الحكم، وذلك لأنه كان في حاجة لتوطيد ملكه، والقضاء على هذه الحركات الداخلية، قبل أن يولي جيشه وجهه ناحية الروم، ولعل هذا يفسر قول سعيد أن مدة غزوه للروم كانت ست عشرة سنة، مع كون معاوية حَكَمَ ما يقارب عشرين سنة.


(١) إسناده صحيح: تقدَّم تخريجه.
(٢) إسناده صحيح إلى سعيد: أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (ص: ١٨٨). وانظر: البداية والنهاية (١١/ ٤٣٥).
(٣) البداية والنهاية (١١/ ٤٢١).

<<  <   >  >>