للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد شهد الحسن مع أبيه هذه الحروب والقتالات، والمعارك والنزاعات، ورأى هلاك الناس وسفك دمائهم، فعافت نفسه الأبية الشريفة أن يكون مسعرا لأتون حرب مرة أخرى تُزهق فيه أرواح المسلمين، لينال هو في نهاية الأمر خلافة أو إمارة، أو عرضا زائلا من أعراض الدنيا.

إذن: لقد حانت اللحظة التي طالما انتظرها الحسن، أن يكون مُصلحا بين فئتين عظيمتين من المسلمين، ولم يعد على وجه الأرض في هذا الزمان من هو أعظم فئة في المسلمين منه ومن ومعاوية.

لقد حانت اللحظة ليحقق الحسن نبوءة جدِّه عليه الصلاة والسلام، وليكون بحقٍّ: سيَّداً (١)، وهو لهذا الوصف أهل، فقد نعته به من لا ينطق عن الهوى، لذا عزم الحسن على المضيِّ في هذه الخطوة بكل ثقة وتصميم.

لكن: كيف؟!

[كيف سيقنع الحسن هؤلاء العشرات من الآلاف خلفه بهذا الصلح والتنازل، وقد اشتعلت في قلوب الكثيرين منهم جذوة الغضب، ونار الانتقام؟!]

لقد وفَّق الله - عز وجل - الحسن إلى السير على نسق خطوات متتابعة حتى يصل إلى ما يريد؛ وهي:

الخطوة الأولى: طلبه من الناس حال بيعته أن يسمعوا له ويطيعوا، ويدخلوا فيما دخل فيه، ويرضوا بما رضي به، ويحاربوا من حارب، ويسالموا من سالم؛ فبايعوه على ذلك.

فعن خالد بن مضرب قال: «سمعت الحسن بن علي يقول: والله لا أبايعكم إلا على ما أقول لكم. قالوا: ما هو؟ قال: تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت» (٢).


(١) قال المهلَّب -كما في فتح الباري (١٣/ ٦٧) -: "هذا الحديث -يعني: حديث: إن ابني هذا سيد- دالٌّ على أن السيادة إنما يستحقها من ينتفع به الناس، لكونه علق السيادة بالإصلاح".
(٢) إسناده صحيح: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (المتمم للصحابة، الطبقة الخامسة، ١/ ٢٨٦ - ٢٨٧).

<<  <   >  >>