للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال معاوية: فما يجعلك أحق أن ترجو المغفرة مني؟ فو الله لما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكن والله لا أخير بين أمرين، بين الله وبين غيره إلا اخترت الله تعالى على ما سواه، وإنا على دين يقبل الله فيه العمل، ويجزي فيه بالحسنات، ويجزي فيه بالذنوب، إلا أن يعفو عمن يشاء، فأنا أحتسب كل حسنة عملتها بأضعافها، وأوازي أمورا عظاما لا أحصيها ولا تحصيها، من عمل الله في إقامة صلوات المسلمين، والجهاد في سبيل الله - عز وجل -، والحكم بما أنزل الله تعالى، والأمور التي لست تحصيها وإن عددتها لك، فتفكر في ذلك.

قال المسور: فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر لي ما ذكر.

قال عروة: فلم يسمع المسور بعد ذلك يذكر معاوية إلا استغفر له» (١).

والشاهد هنا: هو حلم معاوية على من يطعنون فيه، وصبره على سماع قدحهم، ومناقشته لهم، وتبيينه لما يغفلون عنه من فضائله.

- وعن أبي الحسن المدائني قال: «نظر معاوية إلى ابنه وهو يضرب غلاما له، فقال له: أتفسد أدبك بأدبه؟! فلم ير ضاربا غلاما له بعد ذلك» (٢).

[٤ - التواضع]

فلم يكن يمنعه ملكه، ولا رفعة مكانته، أن يحمل ميتا على كتفه، خاصة إن كان رجلا من الصحابة.

- فعن سعيد بن عبد العزيز التنوخي: «أن فضالة بن عبيد توفي في خلافة معاوية، قال: فحمل معاوية سريره، وقال لابنه عبد الله: أعقبني أي بني، فإنك لن تحمل بعده مثله» (٣).

وكذا لم يكن يستنكف أن يُقدِّم غيره في صلاة الاستسقاء والدعاء، ممن يحسبهم خيرا منه.


(١) إسناده صحيح: أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (١/ ٢٢٣)، وأخرجه معمر في جامعه (مصنف عبد الرزاق- ٢٠٧١٧) من طريق حميد بن عبد الرحمن، عن المسور؛ بنحوه.
(٢) في إسناده ضعف: أخرجه الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (٢١٤٠)، وفي سنده محمد بن موسى البصري، ليِّن، كما تقدَّم.
(٣) إسناده صحيح إلى سعيد: أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (ص: ٢٢٣).

<<  <   >  >>