للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو المعالي الجويني: «فحقيقٌ على المتدين أن يستصحب ما كانوا عليه -أي: الصحابة- في دهر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن نُقلت هناة فليتدبر النقل وطريقه، فإن ضُعِّف: ردَّه، وإن ظهر وكان آحادا: لم يقدح فيما علم تواترا منه، وشهدت له النصوص، ثم ينبغي ألا يألوا جهداً في حمل كل ما ينقل على وجه الخير، ولا يكاد ذو دين يعدم ذلك، فهذا هو الأصل المغني عن التفصيل والتطويل» (١).

ولذا، فسأورد أهم الطعون التي وُجِّهت، والشبهات التي حول معاوية - رضي الله عنه - أُثيرت، مبيِّنا صحة الدليل من ضعفه أولاً، فإن كان ضعيفاً: فقد كفى الله المؤمنين القتال، وإن كان صحيحاً: بيَّنتُ ما يدل على خطأ المستدل، ليس من كيسي، وإنما بجمع باقي الصحيح من الأدلة، مع نقل أقوال علماء هذه الأمة. فليكن هذا منك على ذُكر وبينة.

وهذا أوان الشروع في المقصود:

الشُّبهة الأولى: الأحاديث الواردة في ذم معاوية - رضي الله عنه -:

وردت أحاديث كثيرة في ذم معاوية - رضي الله عنه -، لكن حالها ما بين ضعف ووضع، ونكارة وبطلان، فكما وُضعت أحاديث في فضائله، كذلك وُضعت أحاديث في ذمه والحطِّ من قدره، وكما لم نرضَ بغير الصحيح في مناقبه، فكذلك لا نرضى بالواهيات في ذمِّه. وسبيل رد تلك الأحاديث سيكون إجمالا، وتفصيلا -بإذن الله-.

فأما إجمالاً: فقد قال الإمام ابن القيم -وهو يتكلم عن الأحاديث غير الصحيحة-: «ومن ذلك الأحاديث في ذمِّ معاوية، وكل حديث في ذمِّه فهو كذب» (٢).

وقال البلاذري: «قال لي هشام بن عمَّار (٣): نظرتُ في أحاديث معاوية عندكم -يعني: الواردة في ذمِّه- فوجدتُ أكثرها مصنوعا (٤)» (٥)!


(١) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد (ص: ٤٣٣).
(٢) المنار المنيف (ص: ١١٧).
(٣) هو أحد شيوخ البخاري، والبلاذري، وعالم دمشق وخطيبها، توفى سنة ٢٤٥ ه.
(٤) أي: موضوعا، مكذوبا.
(٥) أنساب الأشراف (٥/ ٧٤).

<<  <   >  >>