للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد أن استتب الأمر للحسن بالكوفة، عزم على التوجه للشام للقاء معاوية ومن ومعه، لكن يبدو أن الحسن - رضي الله عنه - لم يكن ينوي قتالا هذه المرة، وإنما كان ينوي أمراً آخر لم يتصوره أحد من أتباعه.

وقد وردت بعض الروايات التي تفيد أن الحسنَ راسل معاويةَ ليتفقا على تنازله مقابل شروط يشترطها، وأكثر هذه الشروط حول رغبة الحسن في عرض زائل من أعراض الدنيا! كذا زعموا.

إلا أن هذه الروايات ضعيفة الإسناد (١)، منكرة المتن، ولا تقاوم الرواية الصحيحة التي فيها نزوع معاوية إلى الصلح، وبدؤه المراسلات مع الحسن لحفظ دماء المسلمين، وزهد الحسن في أمور الدنيا، واقتصاره في طلباته على ما يحتاجه المسلمون، وكذا هو وآل بيته -كما سيأتي لاحقا إن شاء الله-.

يقول الحافظ ابن حجر: «المحفوظ أن معاوية هو الذي بدأ بطلب الصلح» (٢).

[دعوة معاوية للصلح، وتنازل الحسن عن الخلافة]

«إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (٣).

لم يفهم الحسن -وهو الصبي الصغير- مغزى هذه العبارة وهو يسمعهما من جدِّه - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يلقيها وهو ينظر إليه مرة، وإلى الناس مرة، بعد أن أجلسه بجواره على منبره، لتكون شهادة له أمام الجميع، وما أعظمها وأجلَّها من شهادة!

لقد مرَّت الأيام على الحسن - رضي الله عنه -، وعبارة جدِّه - صلى الله عليه وسلم - ونظراته له لا تفارق ذهنه، ولعله كان يتساءل بداخله: متى تحين هذه اللحظة؟


(١) انظر: تاريخ الطبري (٥/ ١٦٢ - ١٦٣)، مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري (ص: ٩٢ - ١٠٠)، صحيح وضعيف تاريخ الطبري (٨/ ٨٨٨ - ٨٨٩).
(٢) فتح الباري (١٣/ ٦٣).
(٣) صحيح البخاري (٣٧٤٦) عن أبي بكرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>