للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال معاوية: «عرفتكم الآن، علمتُ أن الذي أغراكم على هذا قلَّةُ العقول، وأنت خطيب القوم، ولا أرى لك عقلاً، أُعظم عليك أمر الإسلام، وأُذكِّرك به، وتذكرني الجاهلية! وقد وعظتك وتزعم لما يجنك أنه يخترق، ولا ينسب ما يخترق إلى الجنة، أخزى الله أقواماً أعظموا أمركم، ورفعوا إلى خليفتكم! افقهوا- ولا أظنكم تفقهون- أن قريشاً لم تُعزّ في جاهليةٍ ولا إسلامٍ إلا بالله - عز وجل -، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدِّهم، ولكنهم كانوا أكرمهم أحساباً، وأمحضهم أنساباً، وأعظمهم أخطاراً، وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضاً إلا بالله الذي لا يُستذلُّ من أعزَّ، ولا يُوضعُ من رفع، فبوأهم حرماً آمناً يتخطف الناس من حولهم! هل تعرفون عرباً أو عجماً أو سوداً أو حمراً إلا قد أصابه الدهر في بلده وحرمته بدولة، إلا ما كان من قريش، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيدٍ إلا جعل الله خده الأسفل، حتى أراد الله أن يتنقذ من أكرم واتبع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثم ارتضى له أصحاباً فكان خيارهم قريشاً، ثم بنى هذا الملك عليهم، وجعل هذه الخلافة فيهم، ولا يصلح ذلك إلا عليهم، فكان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم بالله، أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه وقد حاطهم في الجاهلية من الملوك الذين كانوا يدينونكم! أفٍّ لك ولأصحابك! ولو أنَّ متكلماً غيرك تكلم، ولكنك ابتدأت، فأمَّا أنت يا صعصعة فإن قريتك شرُّ قرى عربية، أنتنها نبتاً، وأعمقها وادياً، وأعرفها بالشر، وألأمها جيراناً، لم يسكنها شريفٌ قطُّ ولا وضيعٌ إلا سُبَّ بها، وكانت عليه هجنةٌ، ثُمَّ كانوا أقبح العرب ألقاباً، وألأمه أصهاراً، نزاع الأمم، وأنتم جيران الخط وفعلة فارس، حتى أصابتكم دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونكبتك دعوته، وأنت نزيع شطير في عمَّان، لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنت

<<  <   >  >>