للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرُّ قومك، حتى إذا أبرزك الإسلام، وخلطك بالناس، وحملك على الأمم التي كانت عليك، أقبلت تبغي دين الله عوجاً، وتنزع إلى اللآمة والذلة ولا يضع ذلك قريشاً، ولن يضرهم، ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم، إن الشيطان عنكم غير غافل، قد عرفكم بالشر من بين أمتكم، فأغرى بكم الناس، وهو صارعكم لقد علم أنه لا يستطيع أن يردَّ بكم قضاءً قضاه الله، ولا أمراً أراده الله، ولا تدركون بالشر أمراً أبداً إلا فتح الله عليكم شراً منه وأخزى».

ثم قام وتركهم، فتذامروا فتقاصرت إليهم أنفسهم، فلما كان بعد ذلك أتاهم فقال: «إني قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم، لا والله لا ينفع الله بكم أحداً ولا يضره، ولا أنتم برجال منفعة ولا مضرة، ولكنكم رجال نكير.

وبعد، فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم، وليسعكم ما وسع الدهماء، ولا يبطرنكم الأنعام، فإن البطر لا يعتري الخيار، اذهبوا حيث شئتم، فإني كاتبٌ إلى أمير المؤمنين فيكم».

فلما خرجوا دعاهم فقال: «إنِّي معيدٌ عليكم: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان معصوماً فولَّاني، وأدخلني في أمره، ثم استُخلف أبو بكر - رضي الله عنه - فولَّاني، ثم استُخلف عمر فولَّاني، ثم استُخلف عثمان فولَّاني، فلم أل لأحدٍ منهم ولم يولِّني إلا وهو راضٍ عني، وإنما طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأعمال أهل الجزاء عن المسلمين والغناء، ولم يطلب لها أهل الاجتهاد والجهل بها والضعف عنها، وإن الله ذو سطوات ونقمات يمكر بمن مكر به، فلا تعرضوا لأمر وأنتم تعلمون من أنفسكم غير ما تظهرون، فإن الله غير تارككم حتى يختبركم ويبدي للناس سرائركم، وقد قال عز وجل: {الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}».

<<  <   >  >>