للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول شيخُ الإسلام ابن تيْميَّة: «كان المسلمون في خلافة أبي بكر وعمر وصدراً من خلافة عثمان في السنة الأولى من ولايته متفقين لا تنازع بينهم، ثُمَّ حدث في أواخر خلافة عثمان أمورٌ أوجبت نوعاً من التفرق، وقام قومٌ من أهل الفتنة والظلم فقتلوا عثمان، فتفرق المسلمون بعد مقتل عثمان» (١).

ويقول ابنُ خلدون مؤرِّخاً لبداية هذه الفتنة، ذاكراً أهم أسبابها: «لما استكمل الفتح، واستكمل للملّة الملك، ونزل العرب بالأمصار في حدود ما بينهم وبين الأمم من البصرة والكوفة والشام ومصر، وكان المختصون بصحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بهداه وآدابه المهاجرين والأنصار من قريش وأهل الحجاز ومن ظفر بمثل ذلك من غيرهم، وأما سائر العرب من بني بكر بن وائل وعبد القيس وسائر ربيعة والأزد وكندة وتميم وقضاعة وغيرهم، فلم يكونوا من تلك الصحبة بمكان إلّا قليلاً منهم وكان لهم في الفتوحات قدم، فكانوا يرون ذلك لأنفسهم، مع ما يدين به فضلاؤهم من تفضيل أهل السابقة من الصحابة ومعرفة حقهم، وما كانوا فيه من الذهول والدهش لأمر النبوة وتردّد الوحي وتنزل الملائكة، فلما انحسر ذلك العباب، وتنُوسي الحال بعض الشيء، وذلّ العدو، واستفحل الملك؛ كانت عروق الجاهلية تنفض، ووجدوا الرئاسة عليهم للمهاجرين والأنصار من قريش وسواهم، فأنفت نفوسهم منه، ووافق أيام عثمان فكانوا يظهرون الطعن في ولاته بالأمصار، والمؤاخذة لهم باللحظات والخطرات، والاستبطاء عليهم في الطاعات، والتجنِّي بسؤال الاستبدال منهم والعزل، ويفيضون في النكير على عثمان، وفشت المقالة في ذلك من أتباعهم، وتنادوا بالظلم من الأمراء في جهاتهم، وانتهت الأخبار بذلك إلى الصحابة بالمدينة، فارتابوا لها، وأفاضوا في عزل عثمان، وحمله على عزل أمرائه» (٢).


(١) مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٢).
(٢) تاريخ ابن خلدون (٢/ ٥٨٦ - ٥٨٧).

<<  <   >  >>