للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن العربي: «فإن قيل: قَتَلَ حُجر بن عدي -وهو من الصحابة (١) مشهور بالخير- صبرًا أسيرًا، قلنا: علمنا قتل حجر كلنا، واختلفنا: فقائل يقول: قتله ظلمًا، وقائل يقول: قتله حقًا (٢).

فإن قيل: الأصل قتله ظلمًا إلا إذا ثبت عليه ما يوجب قتله؛ قلنا: الأصل أن قتل الإمام بالحق، فمن ادَّعى أنه بالظلم فعليه الدليل. ولو كان ظلمًا محضًا لما بقي بيت إلا لُعن فيه معاوية، وهذه مدينة السلام، دار خلافة بني العباس -وبينهم وبين بني أمية ما لا يخفى على الناس- مكتوبٌ على أبواب مساجدها: خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم معاوية خال المؤمنين - رضي الله عنهم -.


(١) تقدَّم النزاع في إثبات صحبته، وأن الأكثرين على عدم ثبوتها.
(٢) قال الشيخ محب الدين الخطيب في حاشيته على الكتاب عند هذا الموضع: "فالذين يريدون أن معاوية قتله بحق يقولون: ما من حكومة في الدنيا تعاقب بأقل من ذلك من يحصب أميره وهو قائم يخطب على المنبر في المسجد الجامع، مندفعا بعاطفة الحزبية.
والذين يعارضونهم يذكرون فضائل حجر ويقولون: كان ينبغي لمعاوية أن لا يخرج عن سجيته من الحلم وسعة الصدر لمخالفيه.
ويجيبهم الآخرون بأن معاوية يملك الحلم وسعة الصدر عند البغي عليه في شخصه، فأما البغي على الجماعة في شخص حاكمها وهو على منبر المسجد؛ فهو ما لا يملك معاوية أن يتسامح فيه، ولا سيما في مثل الكوفة التي أخرجت العدد الأكبر من أهل الفتنة الذين بغوا على عثمان بسبب مثل هذا التسامح، فكبدوا الأمة من دمائها وسمعتها وسلامة قلوبها ومواقف جهادها تضحيات غالية، كانت في غنى عنها لو أن هيبة الدولة حفظت بتأديب عدد قليل من أهل الرعونة والطيش في الوقت المناسب.
والواقع أن معاوية كان فيه من حلم عثمان وسجاياه، إلا أنه في مواقف الحكم كان يتبصر في عاقبة عثمان وما جر إليه تمادي الذين اجترأوا عليه".

<<  <   >  >>