للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسم الأول: بايع عليَّاً واعترف له بالخلافة، لكنه كان يرى أنَّ أول واجب على عليّ: أن يثأر من القتلة قبل أيِّ شيء، وأن يُعجِّل بالقصاص منهم. وهذا القسم يُمثِّلُه الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيدالله، ومن معهما، وهذا القسم هو من حاربه عليٌّ يوم الجمل.

القسم الثاني: امتنع عن مبايعة عليٍّ حتى يتمَّ الثأرُ لدم عثمان، وهذا القسم يُمثِّلُه معاوية بن أبي سفيان ومن معه من أهل الشام. وهذا القسم هو من حاربه عليٌّ يوم صفِّين.

وأما الفريق الآخر: فيرى أنَّ الثأر لدم عثمان حقٌ وواجب، ولكن الأمر في الدولة الإسلامية في هذا الوقت غير مستقرٍّ، والمطالبة بالثأر الآن ليست في قدرة الخليفة ولا في استطاعته، فقتلة عثمان منتشرون ومتغلغلون داخل الجيش، فالتأنِّي الآن والتريُّث هو الأسلم للمسلمين. وهذا الفريق يُمثِّلُه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

يقول ابنُ حزمٍ -في معرض دفاعه عن موقف عليٍّ ومن معه-: «أما قولهم: إن أخذ القَوَد واجبٌ من قتلة عثمان، المحاربين لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، الساعين في الأرض بالفساد، والهاتكين حرمة الإسلام والحرم والأمانة والهجرة والخلافة والصحبة والسابقة؛ فنَعَم، وما خالفهم قط عليٌّ في ذلك، ولا في البراءة منهم، ولكنهم كانوا عدداً ضخماً جمَّاً، لا طاقة له عليهم، فقد سقط عن عليٍّ ما لا يستطيع عليه، كما سقط عنه وعن كل مسلم ما عجز عنه من قيام بالصلاة والصوم والحج، ولا فرق، قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتكم بشيء فأْتوا منه ما استطعتم»، ولو أن معاوية بايع عليَّاً لقَوِيَ به على أخذ الحق من قتلة عثمان، فصحَّ أن الاختلاف هو الذي أضعف يد علي عن إنفاذ الحق عليهم» (١).


(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل (٤/ ١٢٦).

<<  <   >  >>