للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك فريقٌ ثالثٌ اشتبه عليه الأمر، ولم يستطع الترجيح، فاعتزل الفتنة كلها، ومن هؤلاء: سعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عمر، وسعيد بن زيد، - رضي الله عنهم - جميعا (١).

وبهذا التلخيص يتبيَّن لنا أنَّ كلاً من هؤلاء الصحابة الأفاضل قد اجتهد، وهم جميعاً أهل لهذا الاجتهاد، فيكون للمصيب منهم أجران، وللمخطئ أجرٌ، ولا حرج عليهم إن شاء الله تعالى.

يقول النوويُّ: «وأمَّا معاوية - رضي الله عنه - فهو من العدول الفضلاء، والصحابة النجباء - رضي الله عنه -، وأما الحروب التي جرتْ فكانت لكل طائفةٍ شبهةٌ اعتقدت تصويب أنفسها بسببها، وكلهم عدول - رضي الله عنهم -، ومتأوِّلون في حروبهم وغيرها، ولم يُخرج شيءٌ من ذلك أحداً منهم عن العدالة، لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد، كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها، ولا يلزم من ذلك نقص أحدٍ منهم.

واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهةً، فلشدَّة اشتباهها اختلف اجتهادهم، وصاروا ثلاثة أقسام:

قسمٌ ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغٍ، فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه، ففعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده.

وقسمٌ عكس هؤلاء، ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.

وقسمٌ ثالثٌ اشتبهتْ عليهم القضية وتحيَّرُوا فيها، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين، فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلمٍ حتى يظهر أنه مستحق لذلك، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأن الحق معه؛ لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه.


(١) انظر أسماء هؤلاء المعتزلين في: أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للصلابي (ص: ٥٢٣ - ٥٣٣).

<<  <   >  >>