للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعاً: أن النزاع والتحكيم بين الطرفين لم يكن منشؤه: مَنْ أحقُّ بالخلافة، ومَنْ يُعزَل ومن يُولَّى، وإنما كان لأجل قضية الثأر لدم عثمان، على ما قدَّمنا وبيَّنَّا قبل ذلك.

فعن عُبيد بن أبي أمية الإيادي قال: «جاء أبو مسلم الخولاني وأناس معه إلى معاوية، فقالوا له: أنت تنازع عليَّاً، أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله، إني لأعلم أن عليَّاً أفضل مني، وأنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلوماً؟ وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدم عثمان، فائتوه فقولوا له، فليدفع إليَّ قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا عليَّاً فكلموه بذلك؛ فلم يدفعهم إليه» (١).

خامساً: أن قضية التحكيم وقعت في وقت فتنة، وحالة المسلمين حينها كانت مضطربة، مع وجود خليفة لهم، فكيف ستنتظم حالتهم مع عزل الخليفة؟! لا شك أن هذا مما يزيد الأمور سوءاً، والصحابة أعقل وأحذق من أن يُقدموا على هذا.

سادساً: ذكرتْ هذه الروايات الضعيفة أن أهل الشام بايعوا معاوية بعد التحكيم، والسؤال: ما المسوِّغ الذي جعل أهل الشام يبايعون معاوية، والحكمان لم يتفقا، وليس ثمة مبرر لهذا؟!

وقد قال فقيه أهل الشام، ومفتيهم في زمانه: سعيد بن عبد العزيز التنوخي (٢): «كان عليٌّ بالعراق يُدعى أمير المؤمنين، وكان معاوية بالشام يُدعى الأمير، فلما مات عليٌّ دُعي معاوية بالشام أمير المؤمنين» (٣).


(١) إسناده صحيح إلى عبيد: تقدَّم تخريجه.
(٢) ثقة إمام، كما في التقريب (٢٣٥٨).
(٣) إسناده صحيح إلى سعيد: أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٥٩/ ١٤٥ - ١٤٦)، وذكره الطبري في تاريخه (٥/ ١٦١) مُعلَّقاً.

<<  <   >  >>