للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- القسم الأول: احتِيج إليه لاستكمال صورة الأحداث، ووصل الحلقات ببعضها البعض، فمثل هذا لا مفرَّ من إيراده، وهو عين ما فعله الطبريُّ حينما أورد الأخبار الضعيفة في ثنايا كلامه عن بعض الأحداث، وإن كان الطبريُّ أحال القارئ على السَّند؛ فإننا لن نوقعه في ذلك العَنَت، بل سنبيِّن -إن شاء الله- عند كل روايةٍ ضعيفةٍ أوردناها ضعفها، وسبب وهائها، فثقافة النظر في الأسانيد قبل قبول المتن؛ لم تعد منتشرةً بين أبناء هذا الزمان، كما كانت منتشرةً في زمان الطبري، الذي تعامل معهم من هذا المنطلق، فأحالهم على الإسناد.

وهذا القسم يتميز عن لاحقه بأنَّ ضعفه ليس شديداً، ونكارته ليست ظاهرة.

- القسم الثاني: لم نجد ثمَّ احتياجٌ لإيراده، خاصة مع نكارة متنه، بل في بعضها ما يكون ذكره مُحدثاً فتنةً لعقول وقلوب بعض القارئين، فمثل هذه الروايات ضربنا صفحاً عن ذكرها، رغبةً في إماتتها، وإخمال نشرها، وهذا الفعل مِنِّا قد سبق إليه الطبريُّ، فمع ما أورد في كتابه من ضعيفٍ وموضوعٍ، ومع أنه أسند كلَّ قولٍ إلى قائله؛ إلَّا أنَّه أعرض عن ذكر بعض الأخبار، رغم استحضاره لها، وتمكُّنه من عزوها لقائلها وإسنادها؛ وذلك لأنَّه رأى أن فيما ذكر كفاية، وأيضاً: حفاظاً على عقول وقلوب العامة.

قال الطبريُّ: «وذكر هشام، عن أبي مخنف، قال: وحدثني يزيد بن ظبيان الهمداني، أن محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لما ولي، فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهتُ ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعها العامة» (١).

فانظر كيف أَعْرضَ الطبريُّ عن ذكر بعض الروايات، لما رأى أنها لا تضيف جديداً، وأنَّها قد تتسبَّب في فتنة بعض العامة في زمانه، فكيف لو ذُكرت لأهل زماننا؟!


(١) تاريخ الطبري (٤/ ٥٥٧).

<<  <   >  >>