للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحديث عمَّار قد يحتج به من رأى القتال؛ لأنه إذا كان قاتلوه بغاة فالله يقول: {فقاتلوا التي تبغي} والمتمسكون يحتجون بالأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن القعود عن الفتنة خير من القتال فيها، وتقول: إن هذا القتال ونحوه هو قتال الفتنة، كما جاءت أحاديث صحيحة تبين ذلك؛ وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بالقتال، ولم يرض به، وإنما رضي بالصلح، وإنما أمر الله بقتال الباغي، ولم يأمر بقتاله ابتداء، بل قال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} قالوا: والاقتتال الأول لم يأمر الله به، ولا أمر كل من بُغي عليه أن يقاتل من بَغى عليه، فإنه إذا قَتَل كل باغٍ كفر، بل غالب المؤمنين، بل غالب الناس: لا يخلو من ظلم وبغي، ولكن إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين فالواجب الإصلاح بينهما، وإن لم تكن واحدة منهما مأمورة بالقتال، فإذا بغت الواحدة بعد ذلك قُوتِلت؛ لأنها لم تترك القتال، ولم تجب إلى الصلح، فلم يندفع شرها إلا بالقتال. فصار قتالها بمنزلة قتال الصائل الذي لا يندفع ظلمه عن غيره إلا بالقتال، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون حرمته فهو شهيد. قالوا: فبتقدير أن جميع العسكر بغاة فلم نؤمر بقتالهم ابتداء، بل أمرنا بالإصلاح بينهم، وأيضاً: فلا يجوز قتالهم إذا كان الذين معهم ناكلين عن القتال، فإنهم كانوا كثيري الخلاف عليه، ضعيفي الطاعة له» (١).

وقال ابن كثير: «وكان ترك القتال أولى من فعله، كما هو مذهب جمهور الصحابة» (٢).


(١) مجموع الفتاوى (٣٥/ ٧٧ - ٧٩).
(٢) البداية والنهاية (٩/ ١٩٢).

<<  <   >  >>