للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكنْ: ثمَّ رواة عُرف عنهم التخصص في باب من الأبواب، مع ضعفهم في غيره، فمثلا: حفص بن سليمان الكوفي المقرئ، يقول عنه الحافظ ابن حجر: «متروك الحديث، مع إمامته في القراءة» (١) , فقد انتشرت روايته للقرآن في الآفاق، ولم يقبل منه العلماء حديثاً واحداً، ولم يشفع له إتقانه للقرآن في قبول الحديث، ولم يردَّ ضعفه في الحديث إتقانه للقراءات، وهذا من الإنصاف.

ومن هذا الباب أيضاً: رواة المغازي والأخبار، فكثيرٌ منهم يُحتاج إليه في هذا الفن، مع كونه غيرَ مقبولٍ عند العلماء في نقل الأحاديث، ولا يعتبرون بأحاديثه!

ويمكننا أن نلحظ بوضوح هذا التفريق والتساهل في تصرُّف أحد المشتغلين بعلوم السنة، وعلامة من علاماتها في زمانه؛ وهو: الحافظ ابن حجر، وذلك من خلال جمعه بين الروايات في كتابه: فتح الباري.

فإنه في الوقت الذي يقرر فيه ردَّ رواية محمد بن إسحاق إذا عنعن ولم يُصرِّح بالتحديث، وردِّ أحاديث الواقدي لأنه متروكٌ عند علماء الجرح والتعديل، فضلاً عن غيرهما من الأخباريين الذين ليس لهم رواية في كتب السنة، كأبي الحسن المدائني وعوانة؛ فإنه يستشهد برواياتهم، ويستدلُّ بها على بعض التفصيلات، ويحاول الجمع بينها وبين الروايات الأخرى التي هي أوثق إسناداً! وهذا دليلٌ على قبوله أخبارهم فيما تخصَّصوا فيه من العناية بالأخبار والسير، وهذا هو المنهج الذي نسير عليه هنا.

وفيما يلي بعض النماذج لرواة تُكلِّم في روايتهم للحديث، ومع ذلك لم تُهدر أقوالهم في باب الأخبار والسير، لعنايتهم وتخصصهم في هذا الباب، ثم نُتبع ذلك ببعض النماذج العملية من تصرفات العلماء مع مروياتهم في أبواب المغازي والسير.


(١) تقريب التهذيب (١٤٠٥).

<<  <   >  >>