وهرب وردان حتى دخل منزله، فدخل عليه رجل من بني أبيه وهو ينزع الحرير عن صدره، فقال: ما هذا الحرير والسيف؟ فأخبره بما كان وانصرف، فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله، وخرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس، وصاح الناس، فلحقه رجل من حضرموت يقال له عويمر، وفي يد شبيب السيف، فأخذه، وجثم عليه الحضرمي، فلما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه، وسيف شبيب في يده، خشي على نفسه، فتركه، ونجا شبيب في غمار الناس، فشدوا على ابن ملجم فأخذوه، إلا أن رجلا من همدان يكنى أبا أدماء أخذ سيفه فضرب رجله، فصرعه، وتأخر علي، ورفع في ظهره جعدة بن هبيرة بن أبي وهب، فصلى بالناس الغداة، ثم قال علي: عليَّ بالرجل، فأدخل عليه، ثم قال: أي عدو الله، ألم أحسن إليك! قال: بلى، قال: فما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحا، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، فقال علي: لا أراك إلا مقتولا به، ولا أراك إلا من شر خلقه (١).
وأما البُرَك بن عبد الله، فإنه في تلك الليلة التي ضُرب فيها علي قعد لمعاوية، فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه، فوقع السيف في أليته، فأخذ، فقال: إن عندي خيرا أسُرُّك به، فإن أخبرتك فنافعي ذلك عندك؟ قال: نعم، قال: إن أخا لي قتل عليَّاً في مثل هذه الليلة، قال: فلعله لم يقدر على ذلك! قال: بلى، إن عليَّاً يخرج ليس معه من يحرسه، فأمر به معاوية فقُتل.
(١) وتتمة الرواية هنا: "أن عليَّاً دعا أبناءه وأوصاهم، ولم يعهد لأحد بالخلافة بعده، وكان في تلك الضربة مقتله، في شهر رمضان، سنة أربعين من الهجرة". انظر: تاريخ الطبري (٥/ ١٤٦ - ١٤٨).